دارُ النَّعيم ومِنْ أدنى محاسِنِها … ثمارُ تمُّوزَ في أيامِ كانونِ
نَعيمُها غيرُ مَمنوعٍ لساكِنها … كالخُلْدِ والمنُّ فيها غيرُ ممنونِ
أزهارُها أبدًا في الرَّوض مونِقَةٌ … فَحُسنُ نَيسانَ مَوصولٌ بتِشرينِ
وللحمائمِ في الأسحارِ أدعيةٌ … مرفوعةٌ شُفِعَتْ منَّا بتأمينِ
خافتْ على الرَّوضِ من عينِ مُطَوَّقة … أضحتْ تُعَوِّذُهُ منها بياسينِ
مِن كلِّ مُطْرِبِ صوتٍ غيرِ مُضطَربٍ … وكلِّ مُعْربِ لفظٍ غيرِ ملحونِ
وللبساتينِ أنهارٌ جَداولُها … تَسْتَنُّ في الجَرْي أمثال الثَّعابينِ
وقد تراءَتْ بها الأشجارُ تحسِبُها … صفوفَ خَيلٍ صفونٍ (١) في الميادينِ
يا صاحبيَّ أفيقا فالزَّمانُ صحا … ولانَ من بعد تشديدٍ وتخشينِ
دارُ المقامةِ قد أضحت مَحَلَّكما … ونِلتُما العزَّ في أمنٍ من الهُونِ
وقال ابن منير أيضًا (٢): [من البسيط]
سَقى دمشقَ ومغنًى للهوى فيها … حَيًا تهزُّ له أعطافَها تِيها
لا زال للدَّوحِ عطَّارًا يُراوحُها … وللسَّحائب خمَّارًا يُغاديها
دارٌ هي الجنَّة المحبورُ ساكِنُها … فإن تَكُنْها وإلَّا فَهْيَ تَحْكيها
تَباركَ الله كم مِن مَنظَرٍ بَهِجٍ … يَستوقِفُ الطَّرْفَ في بطحاءِ واديها
من أبيات.
وقال محمد بن القَيسَراني: [من البسيط]:
أرضٌ تحلُّ الأماني من محاسنها … بحيث تَجتمعُ الدُّنيا وتَفترقُ
إذا شدا الطَّيرُ في أغصانِها وقَفَتْ … على حدائقها الأَسماعُ والحَدَقُ
وقال فيها أيضًا أشعارًا كثيرة.
وقال القاضي أحمد بن كامل: لما قدِمها البُحتري مع المتوكِّل، وشاهد أنهارها وأشجارها وأطيارها وقصورها وولدانها وحورها، قال: ارتفعت دمشق عن الوصف فهي كما قيل:
(١) في (ل): "صفوف" والمثبت من "الخريدة"، وصفن الفرس: قام على ثلاث قوائم وطرف حافر الرابعة.
(٢) الأبيات في "ديوانه" ص ٢٠٦.