وسنذكر أنهارها فيما بعد.
وقد أكثرت الشعراء في وصف دمشق، فمنهم أحمد بن منير الطرابلسي.
أنبأنا أبو البركات الدمشقي عن جماعة من أشياخه، قالوا: أنبأنا ابن منير، قال: [من البسيط]
حَيِّ الدِّيارَ على عَلْياءِ جَيْرون … مَهْوى الهوى ومغاني الخُرَّدِ العِينِ
مُرادَ لَهْويَ إذْ كَفِّي مُصَرِّفةٌ … أَعِنَّةَ العيس في فِيحِ الميادينِ
فالنَّيربَين فَمَقْرى فالرياض فَجَمْـ … رايا فَجَوِّ حواشي جسر جِسْرِينِ
فالقَصْر فالْمَرْج فالمَيدان فالشَّرَف الـ … أعلى فسَطْرا فَجَرْمانا فقُلْبِينِ
تلك المنازل لا وادي الأَراكِ ولا … رمْلُ المصلَّى ولا أَثْلاتُ يَبْرِينِ
واهًا لطيبِ غُديَّاتِ الرَّبيعِ بها … وبردِ أنفاس آصالِ التشارينِ
وَطابَ تَغْرِيدُ قَيناتِ الغُصون وأَغْـ … ـنَتْها الحَنَاجِر عن شَدِّ الدَّساتِينِ (١)
وقد وازنها أبو عبد الله محمد بن محمد، الملقب بالعماد الكاتِب الأصبهاني، ولي منه إجازة، قال (٢): [من البسيط]
أهدَى النَّسيمُ لنا ريَّا الرَّياحينِ … أم طيبَ أخلاقِ جيراني بِجَيرونِ
هَبَّت لنا نفحةٌ في جِلَّقٍ سَحَرًا … باحتْ بِسرٍّ من الفردوسِ مكنونِ
ومنها: [من البسيط]
دمشقُ عنديَ لا تُحْصَى فضائلُها … عَدًّا وحَصْرًا ويُحْصَى رملُ يَبْرينِ
وما أرى بلدةً أخرى تُماثِلُها … في الحُسنِ من مِصرَ حتى مُنتهى الصِّينِ
وإنَّ من باع كلَّ العُمر مُقتنعًا … بساعةٍ في ذُراها غيرُ مَغْبونِ
لما عَلَتْ هِمَّتي صَيَّرْتُها وطني … وليس يَقنعُ غيرُ الدُّونِ بالدُّونِ
ترى جواسِقَها (٣) في الجوِّ شاهقةً … كأنَّهنَّ قصورٌ للسلاطينِ
(١) هذا البيت زيادة من (ل)، والدساتين: هي الرِّباطات التي توضع الأصابع عليها في آلة العود. مفاتيح العلوم ١/ ٤٥.
(٢) الأبيات في "الخريدة" "قسم شعراء دمشق" ص ٣٠ - ٣٤.
(٣) الجواسق: القصور.