وفيه دلالة على أن الواجب المعاملة للناس بما يعرف من ظواهر أحوالهم من دون تفتيش وتنقيش، فإن ذلك مما لم يتعبدنا الله به، ولذلك قال:"إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس"(٤)، وقال لأسامة لما قال له:"إنما قال ما قال يا رسول الله تقية، - يعني الشهادة -: هل شققت عن قلبه؟ "(٥).
واعتباره ﷺ لظواهر الأحوال كان ديدنًا له وهجيرًا في جميع أموره، منها قوله ﷺ لعمّه العباس لما اعتذر له يوم بدر بأنه مكره، فقال له:"كان ظاهرك علينا"(٦)، وكذلك حديث:"إنما أقضي بما أسمع، فمن قضيت له بشيء من مال أخيه فلا يأخذنه إنما أقطع له قطعة من نار"(٧)، وكذلك حديث:
(١) في "المسند" رقم (٨). (٢) في "المسند" رقم (٥/ ٤٣٢). (٣) (١/ ١٧١ رقم ٨٤). قلت: وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (١/ ٢٤) وقال: "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وأعاده - أي أحمد في "المسند" (٥/ ٤٣٣) - عن عُبيد الله بن عديّ بن الخِيَار، عن عبد الله بن عدي الأنصاري حدَّثهُ فذكر معناه". قلت: وإسناده صحيح أيضًا. وعبيد الله بن عدي بن الخيار، يعدّ في الصحابة، ولكن لم يثبت له سماع. ولكن للحديث طريق موصولة كما تقدم. والخلاصة: فهو حديث صحيح. (٤) وهو حديث صحيح، تقدم برقم (٧/ ٣٩٨) من كتابنا هذا. (٥) وهو حديث صحيح. أخرجه البخاري رقم (٤٢٦٩)، ومسلم رقم (٩٦)، وأبو داود رقم (٢٦٤٣). (٦) لم أعثر عليه بهذا اللفظ. بل أخرج الطبري في تفسيره (١٤/ ٧٣ رقم ١٦٣٢١) عن ابن عباس قال: قال العباس: "فيَّ نزلت ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الأنفال: ٦٧]، فأخبرت النبي ﷺ بإسلامي، وسألته أن يحاسبني بالعشرين الأوقية التي أخذ مني، فأبَى، فأبدلني الله بها عشرين عبدًا، كلّهم تاجر، مالي في يديه" بإسناد حسن. (٧) وهو حديث صحيح. أخرجه البخاري (١٢/ ٣٣٩ رقم ٦٩٦٧)، ومسلم (٣/ ١٣٣٧ رقم ٤/ ١٧١٣) من حديث أمّ سلمة.