قد تقدم الكلام على معنى الحديثين في كتاب الزكاة (٢)، والمقصود من إيرادهما ههنا: أن الحالف بأنه لا يهدي لا يحنث إذا تصدق، لأنَّ النبيّ ﷺ كان يسأل عن الطعام الذي يقرّب إليه: هل هو صدقة أو هدية؟ وكذلك قال في لحم بريرة:"هو لها صدقة ولنا هدية" كما في حديث الباب.
فدلّ ذلك على تغاير مفهومي الهدية والصدقة، فإذا حلف من إحداهما لم يحنث بالأخرى كسائر المفهومات المتغايرة.
قال ابن بطال (٣): إنما كان النبيّ ﷺ لا يأكل الصدقة لأنها أوساخ الناس، ولأن أخذ الصدقة منزلة ضِعَةٍ، والأنبياء منزّهون عن ذلك؛ لأنه ﷺ كان كما وصفه الله: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾ (٤) والصدقة لا تحلُّ للأغنياء، وهذا بخلاف الهدية، فإنَّ العادة جارية بالإثابة عليها، وكذلك كان شأنه.
وفي حديث أنس دليل: على أن الصدقة إذا قبضها من يحلّ له أخذها ثم تصرّف فيها زال عنها حكم الصدقة وجاز لمن حرمت عليه الصدقة أن يتناول منها إذا أهديت له، أو بيعت.
[الباب الرابع] بابُ مَنْ حَلَفَ لا يَأْكُل إِدَامًا بِمَاذَا يَحْنَث
(١) أحمد في المسند (٣/ ١٣٠) والبخاري رقم (١٤٩٥) ومسلم رقم (١٧٠/ ١٠٧٤). وهو حديث صحيح. (٢) "نيل الأوطار" (٨/ ١٨٦ - ١٨٨) من كتابنا هذا. (٣) في شرحه لصحيح البخاري (٣/ ٥٤١). (٤) سورة الضحى، الآية: (٨). (٥) في المخطوط (أ): "الأدْم" والمثبت من (ب) ومصادر التخريج. (٦) أحمد في المسند (٣/ ٣٠١) ومسلم رقم (١٦٦/ ٢٠٥٢) وأبو داود رقم (٣٨٢٠) والترمذي =