قوله:(لا تبدءوا اليهود … إلخ) فيه: تحريم إبتداء اليهود والنصارى بالسلام، وقد حكاه النووي (٢) عن عامة السلف وأكثر العلماء.
قال (٣): وذهبت طائفة إلى جواز ابتدائنا لهم بالسلام، روى ذلك عن ابن عباس، وأبي أمامة، وابن محيريز، وهو وجه لبعض أصحابنا، حكاه الماوردي (٤)، لكنه قال: يقول: السلام عليك، ولا يقول: عليكم بالجمع، واحتجّ هؤلاء بعموم الأحاديث الواردة في إفشاء السلام، وهو من ترجيح العمل بالعامّ على الخاصّ.
وذلك مخالف لما تقرّر عند جميع المحققين، ولا شكّ: أنَّ هذا الحديث الوارد في النهي عن ابتداء اليهود والنصارى بالسلام أخصّ منها مطلقًا، والمصير إلى بناء العامّ على الخاصّ واجبٌ.
وقال بعض أصحاب الشافعي (٥): يكره ابتداؤهم بالسلام ولا يحرم وهو مصير إلى معنى النهي المجازي بلا قرينة صارفة إليه.
وحكى القاضي عياض (٦) عن جماعة: أنه يجوز ابتداؤهم به للضرورة والحاجة، وهو قول علقمة (٧) والنخعي (٧). وروي عن الأوزاعي (٧) أنه قال: إن سلمت فقد سلم الصالحون، وإن تركت فقد ترك الصالحون.
(١) في المسند (٤/ ١٤٤). وهو حديث صحيح. (٢) في شرحه لصحيح مسلم (١٤/ ١٤٥). (٣) أي النووي في المرجع المتقدم. (٤) "الحاوي الكبير" له (١٤/ ١٨٤). (٥) قاله النووي في "صحيح الأذكار" (٢/ ٦٣٥). (٦) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (٧/ ٥٣). (٧) ذكرهم القاضي عياض في المرجع السابق، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (١١/ ١١٢).