قال الترمذي (٢): لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين من أهل العلم خلافًا في جواز وقف الأرضين. وجاء عن شريح (٣) أنه أنكر الحبس. وقال أبو حنيفة (٤): لا يلزم وخالفه جميع أصحابه إلا زفر.
وقد حكى الطحاوي عن أبي يوسف أنه قال: لو بلغ أبا حنيفة لقال به.
واحتج الطحاوي (٥) لأبي حنيفة بأن قوله ﷺ: "حبس أصلها" لا يستلزم التأبيد، بل يحتمل أن يكون أراد مدة اختياره.
قال في الفتح (٦): ولا يخفى ضعف هذا التأويل، ولا يفهم من قوله:"وقفت وحبست" إلا التأبيد حتى يصرح بالشرط عند من يذهب إليه، وكأنه لم يقف على الرواية التي فيها:"حبس ما دامت السموات والأرض".
قال القرطبي (٧): رادّ الوقف مخالف للإجماع فلا يلتفت إليه (٨)، انتهى.
ومما يؤيد [هنا](٩) ما ذهب إليه الجمهور (١٠) حديث: "أما خالد فقد حبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله"، وهو متفق عليه (١١). وقد تقدم في الزكاة (١٢).
ومن ذلك حديث أبي هريرة المذكور في أول الباب (١٣)، فإن قوله:"صدقة جارية" يشعر بأن الوقف يلزم ولا يجوز نقضه، ولو جاز النقض لكان الوقف صدقة منقطعة، وقد وصفه في الحديث بعدم الانقطاع.
ومن ذلك قوله ﷺ:"لا يباع ولا يوهب ولا يورث" ما تقدم (١٤)، فإن هذا منه ﷺ بيان لماهية التحبيس التي أمر بها عمر، وذلك يستلزم لزوم الوقف وعدم جواز نقضه، وإلا لما كان تحبيسًا، والمفروض أنه تحبيس.
(١) المغني لابن قدامة (٨/ ١٨٤ - ١٨٦). (٢) في السنن (٣/ ٦٦٠). (٣) أخرجه عنه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٦/ ٢٥١ رقم ٩٧٢). (٤) في المبسوط (١٢/ ٢٧) وبدائع الصنائع (٦/ ٢١٨). (٥) في شرح معاني الآثار (٤/ ٩٥). (٦) (٦) (٥/ ٤٠٣). (٧) في "المفهم" (٤/ ٦٠٠). (٨) انظر: موسوعة الإجماع (٢/ ١١٣٩ رقم ١). (٩) ما بين الخاصرتين سقط من المخطوط (ب). (١٠) المغني (٨/ ١٨٥). (١١) أخرجه أحمد في المسند (٢/ ٣٢٢) والبخاري رقم (١٤٦٨) ومسلم رقم (١١/ ٩٨٣). (١٢) في الباب الثاني عند الحديث رقم (١٥٦٧) من كتابنا هذا. (١٣) تقدم برقم (٢٥٠٤) من كتابنا هذا. (١٤) تقدم برقم (٢٥٠٥) من كتابنا هذا.