وزر للمسترشد ولمسعود، وكان مهيبًا عاقلًا، فاضلًا، جَوَادًا، وهو كان السبب في عمل الحريري للمقامات التي أنشأها، فحكى أبو القاسم عبد الله بن أبي محمد الحريري: أَنَّ والده كان جالسًا في مسجده ببني حرام -محلةٌ من محال البَصرة- إذ دَخَلَ شيخٌ ذو طِمرَين (١)، عليه أهبةُ السفَر، رَثُّ الثِّياب، فاستنطقه فإذا هو فصيحُ اللَّهْجة، حسنُ العبارة، فسأله: منْ أين الشيخ؟ فقال: من سَرُوج، فقال: وما الكُنْيةُ؟ قال: أبو زيد. قال: فعَمِلَ والدي المقامة الحَرَامية بعد قيامه من ذلك المجلس، واشْتَهر حديثُها، وبلغ أنوشروان، فطلبها، ووقَفَ عليها، وأمر أبي أن يضُمَّ إليها أُخرى، فعمل "المقامات".
قال: وغاب أبي عن أنوشروان مُدَّة، فاستبطاه، فكتَبَ إليه أبي:[من الطويل]
أَلا لَيتَ شِعري والأماني تَعِلَّةٌ … وإنْ كان فيها راحةٌ لأخي الكَرْبِ
جعلتُ كتابي نائبًا عن صبابتي … ومَنْ لم يجدْ ماءً تيمَّمَ بالتُّربِ (٤)
(١) الطِّمْر: الثوب الخَلَق البالي. "اللسان" (طمر). (٢) في (ع) و (ج): لا أزال، والمثبت من "المنتظم" و"الخريدة". (٣) أي حرّه. (٤) انظر الأبيات في "المنتظم": ١٠/ ٧٧ - ٧٨، وفي "الخريدة" قسم شعراء العراق: ج ٤ / م ٢/ ٦٠٤ - ٦٠٦، مع اختلاف في بعض الألفاظ.