ونضا الشبابُ قناعَهُ لمَّا رأى … سيفَ المشيب على المفارقِ منتضى
قد كُنْتُ أُلفي الدهرَ أبيض ناضرًا … فاسوَدَّ لمَّا صارَ رأسي أبيضا
لولا اعترافي بالزمانِ وريبهِ … ما كُنْتُ ممَّن يرتضي غيرَ الرضا
لكن بلوتُ الدَّهرَ في حالاتِهِ … فوجدتُهُ مثلَ السَّرابِ تعَرُّضا
وأراه يُقرضنا وليس بثابتٍ (١) … حتَّى يعودَ فيقتضي ما أقرضا
عيشُ الفتى بينا تراه روضةً … حتَّى يُصَوّحَ منه ما قد روَّضا
لا البؤسُ دامَ ولا النعيمُ وإنَّما … يحيى الفتى بالتُّرَّهات مُمرَّضا
من كان يتَّهم القضاء فإنني … أرضى بما صنع المليكُ وما قضى
وقال أيضًا: [من المتقارب]
يقولُ الحبيبُ غَداةَ الوداعِ … كأَنْ قَدْ رحَلْنا فما تصنَعُ
فقلتُ أُواصِلُ سحَّ الدُّموعِ … وأهجرُ نومي فما أهجعُ
وقال أيضًا: [من الكامل]
يا مَنْ تناصفَ في المَلاحةِ خَلقُهُ … لكنَّهُ في الحُكمِ ليس بمُنصفي
قِفْ حيثُ أنتَ من الصُّدودِ فإنني … أخشى القصاص عليكَ يومَ الموقفِ
أخلفتُ فيكَ ظُنونَ صبٍّ لم يكُنْ … أبدًا يظنُّ الخِلَّ ليس بمُخلِفِ
سمعًا لسمعِ الدَّهرِ فيكَ وطاعةً … إذ كان حتَّى مالهُ من مصرفي
فلأصرفنَّ النفسَ إمَّا طائعًا … أو كارهًا وأقولُ لا تتاسَّفي
لو كان يوجَد مَنْ وفي لِمُحِبِّهِ … لوَفى ولكِنْ أينَ يوجدُ مَنْ يفي
وقال: [من الطويل]
طلبتُ صديقًا في البريَّةِ كُلِّها … فأعيا طِلابي أنْ أُصيبَ صديقا
بلى مَنْ تسمَّى بالصديقِ عبارةً (٢) … ولم يَكُ في معنى الودادِ صديقا
وطلَّقْتُ وُدَّ العالمين صريمةً … وأصبحتُ من أسرِ الحِفاظِ طليقا
(١) في (ف): بلابثٍ.
(٢) في المنتظم ١٦/ ١٢١: مجازةً.