والثالث: ذكره الحسن وقال: إنما غاضب ربه من أجل أنه أمره بالمسير إلى قوم لينذرهم بأسه ويدعوهم إليه، فسأل الله أن ينظره ليتأهب للشخوص إليهم، فقيل له: الأمرُ أسرعُ من ذلك، فلم يُنظر، حتى سأل أن يُنظرَ حتى يأخذ نعليه فيلبسهما، فقيل له نحو القول الأول، وكان رجلًا في خلقه ضيق، فقال: أعجلني ربي أن آخذ نعليَّ فخرج مغاضبًا (١).
وأما قولهم: إن المفاعلة إنما تكون بين اثنين، فقد تكون من واحد، فإن العرب تقول: طارقت النعل، وعاقبت اللص، وشارفت الأمر.
ومعنى قوله: ﴿مُغَاضِبًا﴾ أي: غضبان.
وقال مقاتل: إنما غضب لأنه وعد قومه العذابَ في يوم بعينه، فلما فات الأجل (٢) ولم يعذبوا أَنف أن يعود إليهم، فمضى إلى السفينة كالعبد الآبق.
فإن قيل: فما معنى قوله: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ [الأنبياء: ٨٧]؟ فالجواب من وجوه:
أحدها: أنَّ معناه: فظن أن لن نقضيَ عليه العقوبة. قاله مجاهد في آخرين (٣). وقد قرأ عمر بن عبد العزيز:"فظنَّ أن لن نُقَدِّر عليه" بتشديد الدال (٤).
والثاني: أنَّ معناه: لن نضيِّقَ عليه الحبس من قوله: ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ [الطلاق: ٧] أي: ضُيِّقَ، رواه العوفي عن ابن عباس.
وقيل: إنَّ معناه: فظن أنه يعجز ربه فلا يقدر عليه. قاله الحسن البصري: قلت: ما نقل الحسن البصري ﵀ في تفسير قوله تعالى: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ معناه: فظن أنه يعجز ربه فلا يقدر عليه، هذا كلام فاسد لا نظن مثله في آحاد المؤمنين، فكيف بيونس ﵇، ومثل هذا لا يقوله الحسن ﵀، والله أعلم.
(١) انظر "تفسير البغوي" ص ٨٥٢. (٢) في (ك): بعينه فلم يأت الأجل، والمثبت من (ب) و (ط). (٣) انظر "تفسير البغوي" ص ٨٥٢، و "زاد المسير" ٥/ ٣٨٢. (٤) انظر "تفسير البغوي" ص ٨٥٢.