كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان

السنة الثالثة والثمانون وثلاث مئة - عبد الله بن محمد - ج: 18 - ص: 71

والي الأندلس -ولقَبُه المستنصر- أن يليَ القضاءَ، فلم يُجِبْه، وكانت وفاته في ربيع الآخر، وله ثلاث وستون سنة، وحديثُه ومصنَّفاته بالمغرب، ومن شعره (١): [من الكامل]

يا دهرُ أين المُسْعِفون (٢) ذَوو النَّدى … ذهبوا (٣) فنُحييهم بطِيبِ ثنائِهمْ

والمُنعِمون إذا عدا دهرٌ على … إخوانِهم بالفضلِ مِنْ نعمائِهمْ

والدافعونَ الضَّيرَ عن جيرانِهمْ … والبادِرونَ سؤالهم بعطائِهمْ

فأجابني لم يَبْقَ منهم غيرُ ما … حفِظَتْ بطونُ الكُتْبِ من أنبائِهمْ

أترى الكِرامَ من الأنام تخرَّموا (٤) … حتَّى أُبيدَ النَّسلُ (٥) من كُرمائِهمْ

زمنٌ تواصى أهلُه بجوابِ لا … حتَّى كأنَّ نَعَمْ طلاقُ نِسائهمْ

وممَّا أنشده ابن عساكر عن ابن حزم: [من الكامل]

لعِبَ الهوى في كلِّ نفسٍ حُرَّةٍ (٦) … والصبرُ أجملُ والتنزُّهُ أنْزَهُ

والجهلُ يتَّخِذُ الحريصَ مَطِيَّةً … إنَّ الحريصَ مُجَهَّلٌ ومُسَفَّهُ

كثُرَ الرُّقادُ عن المَعادِ ونحنُ في … غِيَرٍ (٧) تُنَبِّهُنا وما نَسْتَنْبِهُ

يا مَنْ تُحدِّثُه الحوادثُ أنَّهُ … يفنى وليسَ عن الحوادثِ يفقَهُ

أمَّا المماتُ فقد نعاك مُصرحًا … ونَعتْكَ أزمنةٌ بها تتفَكَّهُ

كُنْ للمكارهِ بالعزاءِ مُبلِّغًا … فلعلَّ يومًا ما ترى ما تكرَهُ

ولَرُبَّما استترَ الفتى فتنافَسَتْ (٨) … فيه العيونُ وإنِّهُ لَمُموَّهُ

ولَرُبَّما خَزَنَ التقيُّ لسانَهُ … حَذَرَ الجوابِ وإنَّهُ لَمُفَوَّهُ

---

(١) أورده ابن عساكر في تاريخه في ترجمة عبد الله بن عطية أنَّه أنشده، وينظر تاريخ دمشق ٣١/ ٢٧ - ٣٠، ومختصر تاريخ دمشق ١٣/ ١٤٢.
(٢) في تاريخ دمشق ومختصره: الخيِّرون.
(٣) في تاريخ دمشق ومختصره: أغفوا.
(٤) تخرَّمُوا: فنُوا وذهبوا. المعجم الوسيط (خرم).
(٥) في تاريخ دمشق: المسك.
(٦) في تاريخ دمشق: نشوة.
(٧) غِيَرُ الدهر: أحواله وأحداثه المتغيرة. المعجم الوسيط (غير).
(٨) تنافست: تحاسدت. المعجم الوسيط (نفس).