[و] قال القشيريّ: كان نسيجَ وحده (١) في إسقاط التصنُّع، وهو القائل: لأن ألقَى الله بجميع المعاصي أحبُّ إليَّ من أن ألقَاه بذرَّةٍ من تصنُّع (٢).
[وأثنى عليه ابن باكويه، وابن جهضم، وأبو نعيم، وصاحب "المناقب"، وغيرهم]، وكان كثيرَ السياحة، قد كتب على عُكَّازه:[من السريع]
سر في بلاد الله سيَّاحا … وابك على نفسِكَ نوَّاحَا
وامشِ بنور الله في أرضِه … كفَى بنورِ الله مِصْباحَا
وهو صاحب واقعةِ الفأرة مع ذي النون، وقد سألَه يعلِّمه الاسمَ الأعظم، وقد ذكرناها (٣).
[وحكى في "المناقب" عن أبي حسين الدرَّاج قال:] (٤) خرجتُ من بغداد إلى الرَّيّ قاصدًا زيارة يوسف بن الحسين، [قال:] فدخلتُ الرَّيّ، فسألتُ عن منزله، فكلُّ من سألتُه عنه يقول: إيش تصنعُ بذلك الزنديق؟ [قال:] فضيَّقوا صدري، وعزمتُ على أن أنصرفَ ولا أراه، فبتُّ بمسجدٍ، ثم أفكرت وقلت: وصلتُ إلى هنا ولا أراه! فأتيتُه وهو قاعدٌ في محراب مسجده، وبين يديه مصحف وهو يقرأ فيه، فسلَّمتُ عليه، فردَّ وقال: من أين أنت؟ قلت: من بغداد، أتيتُ لزيارة الشيخ، فقال [لي:] لو قال لك أحدٌ في بعض البلدان: أقم عندي حتَّى أشتريَ لك دارًا وجاريةً، أكان يمنعُك ذلك من زيارتي؟ فقلت: ما امتحنني اللهُ بشيءٍ من ذلك، ثم قال: أتحسنُ أن تقول شيئًا؟ قلت: نعم، فقال:[قل]، فقلت:[من الطويل]
رأيتُك تبني دائبًا في قطيعتي … ولو كنتَ ذا حَزْمٍ لهدَّمتَ ما تبنِي
فأطبقَ المصحفَ وبكى حتَّى بلَّ ثوبَه ولحيته، فرحمتُه من كثرةِ بكائه، ثمَّ قال: تلومُ أهلَ الرَّيّ إذا قالوا عني: [إني] زنديق، وأنا من وقت صلاة الصبح أقرأ في المصحف، إلى [هذه] الساعة لم تقطر من عيني قطرة، وقد قامت عليَّ القيامة بهذا البيت (٥).
(١) في (ف) و (م ١): كان شيخ وقته. (٢) الرسالة القشيرية ص ٩٧. (٣) من قوله: وهو صاحب واقعة … إلى هنا، ليس في (ف) و (م ١). وما سلف بين حاصرتين منهما. (٤) ما بين حاصرتين من (ف) و (م ١). وفي (خ): وقال أبو الحسين الدراج. (٥) مناقب الأبرار ١/ ٤٠٥، وانظر تاريخ بغداد ١٦/ ٤٦٦.