وقال الزَّقَّاق: جاورتُ بمكة عشر سنين، فاشتهيتُ اللَّبَن، فغلبتْني نفسي، فخرجتُ إلى عُسْفان، فاستضَفْتُ حيًّا من العرب، فنظرتُ إلى جارية بعيني اليمين، فأخذَتْ بقلبي، فقلتُ لها: قد أخذ كلُّك كلِّي فما فيَّ لغيركِ مَطْمَع، فقالت: تقبح بك الدَّعاوى العالية، لو كنتَ صادقًا لذهبتْ عنك شهوة اللبن، فقلعتُ عيني اليمين، فقالت: مثلك من نظر لله تعالى.
قال: ورجعتُ إلى مكة فطفتُ أسبوعًا، ثمَّ نمت، فرأيتُ يوسف الصّديق ﵇ فقلت: يَا نبي الله، أقرَّ الله عينَك بسلامتك من زَليخا، فقال: وأنت أقرَّ الله عينك بسلامتك من العُسْفانيَّة، ثمَّ أمرَّ يدَه على عيني، فانتبهتُ وقد عادت أحسنَ ما كانت (١).
[وحكى عنه في "المناقب"] قال: تهتُ في تيه بني إسرائيل خمسة عشر يومًا، فلما وقفتُ على الطريق استقبلني جنديٌّ، فسقاني شَربةً من ماء، فعادت قساوتُها على قلبي ثلاثين سنة (٢).
وقال: نهاية الإرادة أن تشير إلى الله فتجدَه مع الإشارة، فقيل له: فأيّ شيءٍ يستوعب الإرادة؟ فقال: أن تجد الله بلا إشارة.
وقال: لا يكون المزيد مريدًا حتَّى لا يكتبَ عليه كاتبُ الشمال خطيئة عشرين سنة.
وقال: كنتُ في التِّيه فخطر ببالي أنَّ علم الحقيقة مباينٌ لعلم الشريعة، فهتف بي هاتف: كلُّ حقيقة لا توافق الشريعةَ فهي باطلة.
وقال: لا يصلح هذا الأمر إلَّا لأقوام كنَسوا المزابلَ بأرواحهم.
ودخل عليه يومًا أبو علي الرُّوْذَباري وهو في حال عجيبة، فقال له الشيخ: ما لكَ؟ فقال: اجتزت ببعض الخَوخات وإذا بمنشد يقول: [من الطَّويل]