وغاب الَّذي من أجله غاب شاهدي … فذاكَ فَنائي فافهموا يا بني جِنسي
فهذا وجودي في المغيب بحاله … أقرِّبه حتَّى يواري الثَّرى رمسي
ولستُ أبالي فائتًا بعد فائتٍ … ولو صيَّر المحبوبُ دارَ الشَّقا حَبْسي
[وحكى عنه في "المناقب" أنَّه] قال: دخلت البادية، فنالني جوعٌ شديدٌ، فضَعُفْتُ، فوقع في نفسي أنَّني أسأل الله صَبْرًا، فهتف بي هاتف يقول: [من الوافر]
ويزعم أنَّه منَّا قريبٌ … وأنَّا لا نُضَيِّعُ مَن أتانا
ويسألُنا القوى جُهدًا وصَبرًا … كأنَّا لا نراه ولا يرانا
[قال:] فأخذني الاستقلال من ساعتي، وقمتُ فمشيتُ (١).
وقال: كلُّ باطنٍ يُخالفه الظاهر فهو باطل (٢).
[وحكي عنه أنَّه] قال: لولا أنَّ الله تعالى أدخل موسى ﵇ في ظلِّ كَنَفِهِ، لأصابه ما أصاب الجبلَ.
وقال: للعارفين خزائن أُودِعَتْ علومًا ربَّانيَّة؛ يتكلَّمون بها بعبارة الأزلية.
وقال: المحبُّ يتعلَّل بكلِّ شيءٍ، ولا يتسلَّى عن حبيبه بشيء، وأنشد: [من الطويل]
أسائلُكُم عنها فهل من مُخبِّرٍ … فما لي بنُعْمٍ بعد مُكْثَتنا عِلمُ
فلو كنتُ أدري أين خيَّم أهلها … وأيُّ بلاد الله إذ ظَعَنوا أَمُّوا
إذًا لَسَلَكْنا مَسْلَكَ الرِّيح خلفَها … ولو أصبحتْ نُعمٌ ومن دونها النَّجْمُ
وقال: العلم ما استعملك، واليقين ما حملك (٣).
وقال (٤): المُسْتنبِط من مُلاحظة الغيب لا يَخفى عنه شيء، ثمَّ قرأ: ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣]. والمتوسِّم العارف بما في سويداء القلب، ثمَّ قرأ: ﴿إِنَّ
(١) ذكر هذه الأخبار مع الأبيات ابن خميس في المناقب ١/ ٤٢٦، وابن عساكر في "تاريخه" ٢/ ٦٧، وما بين معكوفين من (ب).
(٢) "الرسالة القشيرية" ٩٨، و"تاريخ بغداد" ٢/ ٦٢.
(٣) "طبقات الصوفية" ٢٣٢، و"حلية الأولياء" ١٠/ ٢٤٧ - ٢٤٨، والمناقب ١/ ٤٢١، و"تاريخ دمشق" ٢/ ٦٨، وينظر "الرسالة القشيرية" ٢٩٢.
(٤) من هنا إلى قوله: معاداة الفقراء … ليست في (ب).