زعموا، إنما الخدع تكون في حال السكون إليها، فأمَّا من لم يعرِّج على الملك في اعتناق (١) الحقائق، فتلك مرتبةُ الربانيين.
[وقال ابن باكويه:] كان أبو تراب يقولُ لأصحابه: من لبسَ منكم مرقعةً، أو قعدَ في خانكاه أو مسجدٍ، أو قرأ القرآن وأحدٌ يسمعُه، فقد تعرَّضَ للسؤال، [أو سأل الناس].
[وروى ابن باكويه عنه أنَّه قال: كنت في السفر، فاشتهت نفسي عليَّ خبزًا وبيضًا](٢)، فعدلتُ إلى قريةٍ، فوثبَ عليَّ رجل من أهلها، فتعلَّق بي وقال: هذا كان مع اللصوص، فبطحوني وضربوني سبعينَ خشبةً، فوقفَ عليهم رجلٌ فعرفني، فصاح وقال: ويلَكم ما صنعتُم؟! هذا أبو تراب، فأطلَقوني واعتذرُوا إليَّ، وأدخلني الرجلُ إلى منزله، فقدم لي خبزًا وبيضًا، فقلتُ في نفسي: كل بعد سبعينَ خشبةً.
[وقد ذكرها الخطيب، وقال: ما تمنَّت علي نفسي شيئًا قطُّ إلَّا مرَّةً واحدةً، تمنَّت خبزًا وبيضًا (٣).
قلت: قد كان ينبغي أن لا يأكلَ البيض لوجهين؛ أحدهما: لما جرى عليه من الضرب، والثاني: عقوبة لنفسه، ومجاهدةً لها.
وحكوا عن ابن باكويه أيضًا عن محمد بن يوسف البنَّاء قال:] (٤) كان أبو تراب صاحبَ كرامات، سافرنَا معه إلى مكَّة ومعه أربعون فقيرًا، فأصابتنا فاقة، فعدلَ بنا عن الطريق، وجاءنا بـ[عِذْق] موز، فتناولنا منه، وكان معنا فقيرٌ، فلم يأكل، فقال له [أبو تراب:] كل، فقال: الحالُ التي اعتقدتُها ترك المعلومات، وجعلتك معلومي، فقال:
(١) في (خ) و (ف): أغساق. وفي (ب): أعناق. والمثبت من صفة الصفوة. ونص العبارة في الرسالة القشيرية وتاريخ دمشق: فأما من لم يقترح ذلك، ولم يساكنها، فتلك … (٢) ما بين حاصرتين من (ب)، وفي (خ) و (ف): وقال: ما تمنت عليَّ نفسي شيئًا قط إلا مرةً واحدة، تمنيت خبزًا وبيضًا، وكنت في السفر. والمذكور في (خ) و (ف) هو لفظ الخطيب في تاريخه. وسيأتي. (٣) تاريخ بغداد ١٤/ ٢٦٧. (٤) ما بين حاصرتين من (ب). وفي (خ) و (ف): وقال محمد بن يوسف البناء.