وقال محمدُ بن الجَهم: قال لي المأمون: أَنشِدني ثلاثةَ أبياتٍ في المدح والهجو والمراثي، فأنشدتُه في المدح: [من البسيط]
تجود بالنَّفْس إذ ضمنَّ الجَوَادُ بها … والجودُ بالنفس أقصى غايةِ الجُودِ (١)
وأنشدتُه في الهَجو: [من الكامل]
قَبُحَت مناظرُهمْ فحين خَبَرْتُهمْ … حَسُنَت مناظرهمْ لقُبح المخْبَرِ (٢)
وأنشدتُه في المراثي: [من الطويل]
أرادوا ليُخفوا قبرَه عن عدوِّه … وطِيبُ ترابِ القبر دلَّ على القبرِ (٣)
فأمر لي بثلاثة آلافِ درهم.
وقال محمدُ بن زياب الأعرابي: بعث إليَّ المأمونُ، فجئتُ إليه وهو في بستانٍ يتمشَّى ومعه يحيى بنُ أكثم، ورأيتهما مولِّيين، فوقفتُ حتَّى أَقبلا، فسلَّمت، فقال: يا محمد، أَخبِرني عن أحسنِ ما قيل في الشَّراب، فقلت: قولُ القائل: [من الطويل]
تُريك القَذى مِن دونها وهْي دونه … إذا ذاقَها مَن ذاقها يتمطَّقُ (٤)
فقال: أَشعرُ منه أبو نُوَاسٍ حيث يقول: [من المديد]
وتمشَّت في مفاصلهمْ … كتمشِّي البُرءِ في السَّقَمِ
واهتدى ساري الظَّلامِ بها … كاهتداء السَّفْر بالعَلَم (٥)
ثم دحا إليَّ بعنبرةٍ (٦) فبعتُها بخمسة آلافِ درهم.
[حديثُ المأمون مع الحارس:
قال يحيى بنُ أكثم:] أشرف المأمونُ ليلةً على الحرس وقال: مَن يُنشدنا قولَ أبي نُواس، فأنشده غلامٌ منهم [هذه الأبيات] (٧): [من البسيط]
(١) قائله مسلم بن الوليد، وهو في ديوانه ص ١٦٤، وروايته: إذ أنت الضنين بها.
(٢) قائله مسلم بن الوليد، وهو في ذيل الديوان ص ٣٢١.
(٣) قائله مسلم بن الوليد، وهو في ذيل الديوان ص ٣٢٠.
(٤) في (خ) و (ف): يتمنطق. والمثبت من ديوان الأعشى ص ٢٦٩، والبيت له. ومعنى يتمطق: يتذوق ويصوِّت بلسانه.
(٥) الديوان ص ٥٣٧.
(٦) في (خ) و (ف): عبادة. والمثبت من تاريخ بغداد ٣/ ٢٠٥، وتاريخ دمشق ٣٩/ ٢٤٦.
(٧) ما بين حاصرتين من (ب).