فأَطرق المأمونُ ساعةً [مفكَرًا](٢) ثم رفع رأسَه وقال (٣):
مِن دون ما قلت عِيلَ الصبرُ والجَلَدُ … فأَحضِروا خصمَها اليومَ الذيَ أَعِدُ (٤)
والمجلسُ السَّبت إنْ يُقضَ الجلوسُ لنا … أُنْصِفْكِ منه وإلَّا المجلسُ الأَحَد
وقام، فلمَّا كان يومُ الأحدِ حضرت المرأة، فقال لها: وأين الخصم؟ فأشارت إلى العباس بنِ المأمون، وكان قائمًا على رأسِ أبيه وهو غلام، فقالت: غصبني ضَيعتي، فسأله الحجَّة، فسكت، والمرأةُ ترفع عليه صوتَها وهو لا ينطِق، فقال لها بعضُ الحاضرين: أَترفعين صوتَك على ابن أميرِ المؤمنين! فقال له المأمون: اُسكت؛ فإنَّ الحقَّ أَنطقها والباطل أَخرسه، ثم ردَّ عليها ضَيعتَها وأعطاها عشرةَ آلافِ درهمٍ وردَّها إلى أهلها.
وقال إسحاقُ بن إبراهيمَ المَوصلي: كان المأمونُ قد سخط على الخَليع (٥) لأنَّه هجاه ومدح الأَمين. قال إسحاق: فبينا أنا ذاتَ يومٍ عند المأمون، إذ دخل ابنُ البوَّاب الحاجبُ وبيده رُقعة، فاستأذن في إِنشادها، فأذن له، فقال:[من الطويل]
أَجِرني فإنِّي قد ظمئتُ إلى الوعد … متى تُنجز الوعدَ المؤكَّدَ بالعهدِ
أُعيذك من خُلْف الملوكِ فقد ترى … تقطُّعَ أنفاسي عليك من الوَجْد
= يجلس للخصوم من الغداة إلى بعيد الظهر، فلما أراد القيام. والمثبت من (ب). (١) في (ب): بها، وفي (خ) و (ف): يد، والمثبت من المحاسن والمساوئ ص ٤٩٧، وتاريخ دمشق ٣٩/ ٢٥٧. وفي العقد الفريد ١/ ٢٨: عدي عليها فلم يُترَك لها سَبَدُ. (٢) ما بين حاصرتين من (ب). (٣) بعدها في (ف): هذا الشعر مصنوع عليه. وليست في المصادر. (٤) دمج المصنف هنا بيتين في بيت، واختلفت المصادر في رواية عجز هذا النبي ﷺ. (٥) هو الحسين بن الضحاك الشاعر.