[قال:] وكانت تقول: اللهمَّ لا تغفرْ لي حرامًا أتيتُه قطّ، ولا عزمًا على حرامٍ إن كنتُ عزمته، ولا استفزعني لهوٌ إلا ذكرتُ نسبي من رسول اللهِ ﷺ فقصَّرت عنه، ولا أقول ما أقول في شِعري إلَّا عبثًا.
وكانت تدخل على الرشيدِ فيُكرمها ويأمرها بالحلوس معه على سريره فتأبى.
وكانت تحبُّ المراسلةَ بالأشعار لمن تختصُّه [قال:] فاختصَّت خادمًا للرشيد يقال له: طَلّ، فلم تره أيامًا، فمشت على ميزابٍ حتى أبصرتْه وقالت. [من مجزوء الكامل]
قد كان ما كُلِّفتُه زمنًا … يا طلُّ من وَجدٍ بكمْ يكفي
حتى أتيتُك زائرًا عَجلًا … أَمشي على حَتْفي إلى حَتْفي (١)
فحلف عليها الرشيدُ ألا تكلِّم طلًّا ولا تسمِّيه باسمه، فضمنتْ له ذلك، فاستمع عليها يومًا وهي تقرأ: ﴿فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ﴾ [البقرة: ٢٦٥] [فقالت: فإن لم يصبها وابل، وإلّا] فالذي نهاني عنه أميرُ المؤمنين، فدخل الرشيد، فقبَّل رأسها ووهب لها طلًّا.
وتزوَّجها موسى بنُ عيسى بن موسى بن محمدِ بن عليِّ بن عبدِ الله بن عباس (٢).
قال: وسببُ وفاتها أنَّ المأمونَ دخل عليها يومًا، فضمَّها إليه وقبَّل رأسها ووجهُها مغطًّى، فتأذَّت بذلك وشَرِقت وسَعَلت، ثم حُمَّت أيامًا وماتت [في هذه السَّنة عن خمسين سنة. وهذا الذي ذكره جدِّي في "المنتظم" (٣).
قلت:] ولها ديوانٌ مشهورٌ، فمن ذلك: [من مجزوء الكامل]
أَوقعتِ في قلبي الهوى … ونجوتِ منه سالمهْ
وبدأتِني بالوصل ثمَّ … قطعتِ وَصْلِي ظَالِمَه (٤)
وقالت أيضًا: [من الكامل]
اليأسُ (٥) بين جوانحي يتردَّد … ودموعُ عيني تستهل وتَنفَدُ
(١) أشعار أولاد الخلفاء ص ٥٦، والأغاني ١٠/ ١٦٣، والمنتظم ١٠/ ٢٣١.
(٢) كذا في (ب) و (خ) والمصادر، والذي في المنتظم ١٠/ ٢٣١ دون ذِكْر: ابن موسى. ينظر السير ١٠/ ١٨٧ - ١٨٨، ومصادر الترجمة ثمَّة.
(٣) ١٠/ ٢٣٣ - ٢٣٢. وما بين حاصرتين من (ب).
(٤) أشعار أولاد الخلفاء ص ٦٤، والمنتظم ١٠/ ٢٣١.
(٥) في أشعار أولاد الخلفاء ص ٧٥: الشوق، وما هنا موافق لما في المنتظم ١٠/ ٢٣١.