فرقَّ له المأمون، وأقبل على أخيه أبي إسحاقَ وابنِه العباس والقوَّاد فقال: ما ترون في أمره؟ فقال بعضهم: ضَرْبَ عنقه، وقال آخرون: تُقطع أطرافهُ وتُقصص، فقال المأمون لأحمدَ بنِ أبي خالد: ما تقول أَنْتَ؟ فقال: يَا أميرَ المُؤْمنين، إن قتلتَه وجدت مثلَك قد قتل مثلَه كثيرًا، وإن عفوتَ عنه لم تجد مثلَك عفا عن مثله، فأيُّما أحبُّ إليك: أن تفعلَ فعلًا تجد لك فيه شريكًا، أو تنفردَ بالفضل؟ فأطرق المأمونُ طويلًا، ثم رفع رأسَه وقال: يَا أَحْمد، أَعِد ما قلت، فأعاده، فقال: بل ننفرد بالفضل، ولا رأيَ لنا بالشركة. فكشف إبراهيمُ القناعَ عن رأسه وكبَّر تكبيرةً عالية وقال: عفا أميرُ المُؤْمنين واللهِ تعالى، فقال أميرُ المُؤْمنين: لا بأسَ عليك يَا عمّ.
وأمر بحبسه عند أحمدَ بنِ أبي خالد، فلمَّا كان بعد شهر، أحضره وقال: اعتذرْ من ذنبك، فقال: ذنبي أجلُّ من أن أتفوَّه فيه بعذر، وعفوُك أعظم من أن أنطقَ معه بشكر، ولكني أقول:[من الكامل]
نفسي فداؤك إذ تضلُّ معاذري … وأَلوذ منك بفضلِ حلمٍ (٤) واسع
(١) في المنتظم ١٠/ ٢١٤: حملت، وما هنا موافق لما في تاريخ الطبري ٨/ ٦٠٤، وأشعار أولاد الخلفاء ص ١٩، والأغاني ١٠/ ١١٧، والكامل ٦/ ٣٩٣. والذَّميل: السير الليِّن ما كان، ذمل يذمِل ويذمُل. القاموس المحيط (ذمل). (٢) في (خ): وسنان، والمثبت من المصادر. (٣) في تاريخ الطبري وابن الآثير: ما ألين. والبيت غير موجود في باقي المصادر. (٤) في (خ): حكم.