وبُحْ باسم مَن تهوى ودَعْني من الكُنى … فلا خيرَ في اللَّذَّات مِن دونها سِتْر
الأبيات [وهي من ديوانه] (١) وبلغ محمَّدًا قولُ الفضل [بنِ سهل]، فأمر بحبس أبي نُواس.
وقال أبو نواسٍ: [من الطويل]
وقد زادني تِيهًا على الناس أنَّني … أُراني أغناهُم إذا كنتُ ذا عُسْرِ
فلو لم أنَلْ فَخْرًا لكان صِيانَتي … فَمي عن جميع الناسِ حَسْبي من الفَخْر
ولا يطْمَعَنْ في ذاك منِّي طامعٌ … ولا صاحبُ التَّاجِ المُحَجَّبُ في القصر (٢)
وبلغ الأمينَ قولُه، فدعاه وعنده سليمانُ بن المنصور، فقال له: يا ابن اللَّخْناء، أنت تكتسب بشِعرك أوساخَ أيدي الناس اللئامِ ثم تقول: ولا صاحبُ التاج المحجَّبُ في القصر! واللهِ لا نلتَ مني شيئًا أبدًا.
ولما دخل المأمونُ بغدادَ، اجتمع عنده الشُّعراء، فقال لهم: أيُّكم القائل: [من الطويل]
إذا نزلت دون اللَّهاةِ من الفتى … دعا هَمُّه مِن صدره برحيلِ
قالوا: أبو نُواس، قال: فأيُّكم القائل: [من المديد]
وتَمَشَّت في مَفاصِلهم … كتَمَشِّي البُرْء في السَّقَمِ (٣)
قالوا: أبو نواس، قال: فأيُّكم القائل: [من الطويل]
وما الناسُ إلا هالكٌ وابنُ هالكٍ … وذو نَسَبٍ في الهالكين عَريقِ
إذا امتَحَنَ الدُّنيا لَبيبٌ تَكَشَّفتْ … له عن عدوٍّ في ثيابِ صَديق
فقالوا: أبو نواس، فقال: هو أشعرُكم إذن.
وقال ابن عُيَينة لابن مُناذِر: أشعرُ الناس ظَريفُكم هذا، فقال ابنُ منادر: كأنك عنيتَ أبا نُواس؟ قال: نعم، فقال: لِم؟ فقال سفيان: بقوله: [من السريع]
يا قَمَرًا أبْصَرتُ في مأتَمٍ … يَنْدُب شَجْوًا بين أترابِ
(١) ص ٢٤٢، وما بين حاصرتين من (ب).
(٢) تاريخ الطبري ٨/ ٥١٨، وانظر الديوان ص ٣٤٣.
(٣) انظر الخبر في تاريخ بغداد ٨/ ٤٨٧، وتاريخ دمشق ٤/ ٦٠٩.