لا يُعانيه باللِّجام ولا السَّوطِ … ولا غَمْزِ رِجله في الرِّكاب
من أبيات.
وكان محمد إذا بلغه لَومُ الناس له على شُربه ولَهوه يقول: ما ضرَّ يزيدَ بن معاويةَ لعبُه ولهوه، ولا نفع عبدَ الله بنَ الزبير خيرُه ودينه، وما قضى اللهُ فهو كائن. وبلغ المأمونَ فقال: تبًّا للمخلوع، وأيُّ ضرر أبلغُ من ذمِّ الناس ليزيد؟! وأيُّ فخر أعظمُ من فخر ابنِ الزبير وقد أقام تسع سنين عائذًا بحرم اللهِ تعالى، مشغولًا بعبادته، حتى قُتل شهيدًا؟!! وأمّا يزيد، فأقام ثلاثَ سنينَ فعل فيها ما فعل من استهتاره بالدين، وإصرارِه على فسقه، وأيُّ مناسبة بين الرَّجلين؟! وقرأ المأمون: ﴿وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ [الجاثية: ٢٣].
[وقال محمَّد بن سلام:] جلس الأمينُ يومًا مع ندمائه، فتنفَس نَفَسًا عاليًا، فقالوا: يا أميرَ المؤمنين، ما هذا التنفُس؟! فقال: ذكرت قولَ ابنِ بُقَيلة (٢): [من البسيط]
إنْ كان دهرُ بني ساسانَ خانَهُمُ … فإنَّما الدَّهرُ أطوارًا دَهاريرُ
لما انتقل محمد من قصر الخُلْد إلى مدينة أبي جعفر، ولم يبقَ عنده مالٌ ولا عُدَّة للحصار، دخل عليه قوَّاده، منهم حاتم بنُ الصَّقْر و [محمَّد بن](٣) إبراهيمَ بنِ الأغْلَب الإِفريقي، فقالوا: لقد رأيت ما آل فيه حالُك وحالنا، وقد رأينا رأيًا نَعرضه عليك، فانظر
(١) في (خ): أهدب، والمثبت من الديوان ص ٨٣، وتاريخ الطبري ٨/ ٥٠٩. وأهرت الشدق: واسعه. اللسان (هرت). (٢) في (خ) والعقد الفريد ٦/ ٤٠٦: نفيلة، وفي (ب): ابن أبي مقيلة، وكل ذلك خطأ، وهو عبد المسيح بن بقيلة الغساني. انظر العقد الفريد ٢/ ٢٩ - ٣٠، والتذكرة الحمدونية ٨/ ١١. (٣) ما بين حاصرتين من تاريخ الطبري ٨/ ٤٧٨، والمنتظم ١٠/ ٤٦، والكامل ٦/ ٢٨٢، وتاريخ الإِسلام ٤/ ١٠٥٠.