وعنده جماعةٌ من الشعراء، فقال: مَن أتى ببيتٍ في خاطري فله عشرةُ آلاف درهم، فقال ابنُ أبي حفصٍ: [من الخفيف]
مَجْلسٌ يألَفُ المَسَرَّة والشَّو … قَ مُحُبٌّ رَيحانُه ذِكراكِ (١)
فقال: أحسنتَ والله، يا فضلُ أَعطه عشرةَ آلاف درهم، فقال ابنُ أبي حفص: قد حضر بيتٌ آخَر، قال: قل، فقلت:
كلَّما دارت الزُّجاجة زادَتْـ … ـه حَنينًا ولَوْعَةً فبَكاكِ
فقال: أحسنتَ والله، يا فضلُ أَعطِه عشرة آلافِ درهمٍ أخوى، فقال ابنُ أبي حفص: قد حضر بيتٌ آخر، فقال له: قل، فقلت:
لم يَنَلْكِ المُنى بأنْ تَحْضُريني … وتَجافَتْ أُمنيَّتي عن سواكِ
فقال: أَعطِه عشرةَ آلاف أخرى، ثم قال هارون: قد حضر بيتٌ رابع، فأنشد:
فتمنَّيت أن يُغشِّيَني اللهُ … نعاسًا لعلَّ عَيني تراكِ
فقال ابنُ أبي حفص: يا أميرَ المؤمنين، أنت واللهِ أشعرُ مني، فخذ الجائزة، فقال: خذ جائزتك.
وغنَّى بين يدي الرشيدِ إسحاقُ بن إبراهيمَ الموصليُّ وهو يقول (٢): [من الطويل]
ألم ترَ أنَّ الشَّمسَ كانت مَريضةً … فلمَّا أتى هارونُ أشرق نُورُها
تلبَّست الدنيا جَمالًا بمُلْكه … فهارونُ واليها ويحيى وزيرها
فأعطاه مئَة ألف درهم، وأعطاه يحيى بنُ خالدٍ خمسين ألفَ درهم.
وقال الأصمعيّ: قال الرشيدُ لإسحاق: أَنشِدني من شعرك، فأَنشده: [من الطويل]
وآمِرَةٍ بالبُخل قلت لها اقصُري … فذلك شيءٌ ما إليه سبيلُ
أرى الناسَ خُلَّانَ الجَوَاد ولا أرى … بخيلًا له في العالمين خليل
(١) روايته في تاريخ بغداد ١٦/ ١٤، ومختصر تاريخ دمشق ٢٧/ ٣٢: السرور إليه لمحب ريحانه ذكراك ولم يذكر البيت صاحب الأغاني.
(٢) في الأغاني ٥/ ٢٤٢ أن المغني والقائل هو إبراهيم الموصلي. ونسب البيتين له أيضًا الطبري ٨/ ٢٣٣، وابن الأثير ٦/ ١٠٨. وتردد ابن خلكان في وفيات الأعيان ٦/ ٢٢١ في نسبتهما له أو لابنه إسحاق.