[حدَّثنا جدِّي عن عمرَ بنِ ظفرٍ بإِسناده إلى] ذي النُّون [قال](١): رأيت سعدونَ في المَقبُرة في يومٍ حارّ، وهو يُناجي ربَّه بصوتٍ عالٍ ويقول: أَحَدٌ أَحد، فسلَّمت عليه وقلت: بحقّ مَن تناجيه إلَّا ما وقفتَ لي، فوقف وقال: قل وأَوجز، قلت: أَوصِني بوصيَّة [أَحفظها عنك، أو تدعو لي بدعوة] فقال: [من المنسرح]
يا طالبَ العلمِ من هنا وهنا … ومَعدِنُ العلمِ بين جنْبَيكا
إنْ كنت تبغي الجِنانَ تسكنُها … فاذْرِفِ الدَّمعَ فوق خدَّيكا
وقمْ إذا قام كلُّ مُجْتَهِدٍ … وادعُ لكيما يقولَ لبَّيكا (٢)
ثم مضى وقال: يا غياثَ المستغيثين أَغِثني، فقلت له: اُرفقْ بنفسك، فلعلَّه يَلْحَظُك لَحْظةً فيغفر لك، فنفض يدَه من يدي وقال:
أَنِست به فلا أَبغي سواه
[وذكر البيتين وقال: أواه.
وروى الخطيبُ عن] الأصمعيِّ [قال](٣): مررتُ بسعدون، وإذا هو جالسٌ عند رأس شيخٍ سكرانَ يَذُبُّ عنه، فقلت: ما لي أراك جالسًا عند رأسِ هذا؟! فقال: إنَّه مجنون، فقلت: أنت أو هو؟ قال: بل هو، قلت: ولم؟ قال: لأنّي صلَّيت الظهرَ والعصرَ جماعة، وهذا ما صلَّى جماعةً ولا فُرادى، قلت: فهل قلتَ في هذا شيئًا؟ قال: نعم، ثم قال:[من المتقارب]
فإنْ كان ذا جائزًا للشَّباب … فما العُذرُ فيه إذا الشَّيب لاحا
فقلت: صدقت.
(١) في (خ): وقال ذي النون. وما بين حاصرتين من (ب). (٢) صفة الصفوة ٢/ ٥١٤. (٣) في (خ): وقال الأصمعي. (٤) كذا في صفة الصفوة ٢/ ٥١٥، ولعل الصواب: ويكسو بذاك الوجوه الصِّباحا، كما في المنتظم والبداية والنهاية ١٣/ ٦٧٦، أو: ويكسو السواد الوجوهَ الصباحا، كما في نسخة من البداية والنهاية (طبعة مكتبة المعارف) ١٠/ ٢٠٤. ووقع في مطبوع المنتظم ٩/ ١٨٦: ويكسو سواد الوجوه الصباحا، وهو خطأ.