وروى عن الزُّهريِّ، وصالحِ بن كَيسانَ، والحارثِ وعبدِ الله ابني عكرمةَ وغيرِهم، وكان ثقةً كثير الحديث، وسكن بغداد، وكان على بيتِ المال.
وقال الخطيب (١): وُلد سنةَ ثمانٍ ومئة. وقَدِم العراقَ على هارون، فأَكرمه، وسأله عن الغناء، فأَفتاه بتحليله، وكان قد انفرد بأحاديثِ الزُّهري، فأتاه بعضُ أصحاب الحديثِ ليسمعَ منه، فوجده يغنِّي، فدخل عليه فقال: لقد كنتُ حريصًا أن أسمعَ منك، فأمَّا الآنَ فلا أسمعُ منك حديثًا أبدًا، فقال له إِبراهيم: فإذن لا أفقد إلَّا شَخصَك، ثم حلف وقال: عليَّ كذا وكذا إنْ حدَّثتُ ببغدادَ -ما أقمت- حديثًا حتَّى أغنِّيَ قبله.
وبلغ الرشيدَ خبرُه، فاستدعاه وسأله عن المخزوميةِ التي قطعها رسولُ اللهِ ﷺ في سرقة الحُلِيّ (٢)، فقال: عليَّ بعود، فقال هارون: عودُ المِجْمَر؟ قال: لا، عودُ الضَّرب، فتبسَّم الرشيد، فقال: لعلك يا أميرَ المؤمنين بلغك حديثُ السفيهِ الذي أَلجأني إلى اليمين، قال: نعم، ودعا له لعُود، فأَخذه ووضعه، وغنَّى فقال:[من البسيط]
يا أمَّ طلحةَ إنَّ البَينَ قد أَزِفا (٣) … قلَّ الثَّواءُ لئن كان الرَّحيلُ غدًا
فقال له هارون: مَن كان من فقهائكم يكره السَّماع؟ فقال: مَن ربطه اللهُ تعالى، قال: فهل بلغك عن مالكِ بن أنسٍ فيه شيء؟ قال: لا، ولكن حدَّثني أبي أنَّهم اجتمعوا في دعوةٍ لبني يربوع، وهم يومئذٍ جِلَّة وفيهم مالك، فتغنَّى وقال:[من مجزوء الوافر]
سُليمى أَجمعت بَيْنا … فأَين لقاؤها أينا
وقد قالت لأَترابٍ … لها زُهرٍ تلاقَينا
تعالينَ فقد طاب … لنا العيشُ تعالينا (٤)
(١) في تاريخه ٦/ ٦٠٣، ٦٠٦. (٢) أخرجه البُخاريّ (٢٦٤٨) و (٣٤٧٥)، ومسلم (١٦٨٨) من حديث عائشة ﵄. (٣) كذا في (خ) وتاريخ الإسلام ٤/ ٧٩٧، وفي ديوان عمر بن أبي ربيعة -والبيت له- ص ٣٩١، والأغاني ١/ ٢٠٨، وتاريخ بغداد ٦/ ٦٠٦: أَفِدا، وكلاهما بمعنى، غير أن الأخيرة أصح للتصريع. (٤) الأبيات لمحمد بن عائشة كما في الأغاني ٢/ ٢٣٤ - ٢٣٥، ٢٣٧.