ذكر نُبذةٍ من كلامه:
كان يقول: خرج أهل الدُّنيا ولم يذوقوا طيِّبَ ما فيها، قيل: وما هو؟ قال: معرفةُ اللهِ تعالى.
وكان يقول: لَأن أَرُدَّ درهمًا من شُبهةٍ أحبُّ إليَّ من أن أتصدَّقَ بمئة ألفِ درهم.
وقيل له: ما التواضع؟ قال: التكبُّر على الأغنياء. أخذ هذا المعنى شاعرٌ (١) فنظمه فقال: [من البسيط]
لم ألقَ مُستَكبِرًا إلَّا تحوَّل لي … عند اللقاءِ له الكِبرُ الذي فيهِ
ولا حَلَا لي من الدُّنيا ولذَّتِها … إلَّا مقابلتي للتِّيه بالتِّيه
وسُئل: مَن النَّاس؟ فقال: العلماء، قيل: فمَن الملوك؟ قال: الزهَّاد، قيل: فمن السَّفِلة؟ قال: الذين يأكلون الدُّنيا بالدِّين.
وعطس رجلٌ عنده فلم يقل: الحمدُ الله، فقال له: إذا عطس الرجلُ أَيشٍ يقول؟ فقال: الحمدُ لله، فقال له: يرحمكَ الله، فعجب النَّاسُ من لُطفه.
وقال له رجلٌ: كم تكتب؟! فقال: لعل الكلمةَ التي أنتفعُ بها وفيها نجاتي لم أسمعْها بعد.
وقال مُحَمَّد بن إبراهيمَ البَهراني (٢): أملى عليَّ ابنُ المبارك وهو بطَرَسوسَ كتابًا إلى الفُضيل بن عياض وهو بمكَّةَ فيه يقول: [من الكامل]
يَا عابدَ الحَرَمَين لو أَبصرْتَنا … لَعلمتَ أنَّك في العبادة تلعبُ
مَن كان يَخضِب خدَّه بدموعه … فنحورُنا بدمائنا تتخضَّب
أو كان يُتعِبُ خيلَه في باطلٍ … فخيولُنا يوم الكَريهةِ (٣) تتعب
ريحُ العَبير لكمْ ونحن عَبيرُنا … رَهَجُ (٤) السَّنابك والغبارُ الأطيب
(١) هو شهاب الدين سعد بن مُحَمَّد الصيفي التَّمِيمِيّ المعروف بـ: حيص بيص، والبيتان في ديوانه ص ٤١٧.
(٢) في (خ): الزواني، وهو تحريف، والمثبت من طبقات الشافعية الكبرى ١/ ٢٨٦، وانظر سير أعلام النبلاء ٨/ ٤١٢، وتاريخ الإِسلام ٤/ ٨٩٥، والنجوم الزاهرة ٢/ ١٠٣.
(٣) في (خ): العريكة، والمثبت من طبقات الشافعية ١/ ٢٨٧.
(٤) في (خ) وهج، والمثبت من المصادر. والرهج: الغبار.