في الليلة الآتية كفعلِه في الماضية، ثم تعاهدتُه ففعل أيَّامًا كثيرة، فقلت: لألزمنَّه حتى أموت، فيقال: إنَّ مِسْعرًا ماتَ فيَ مسجد أبي حنيفة وهو ساجد (١).
وقال خارجة: ختمَ القرآن في الكعبةِ أربعةٌ من الأئمة: عثمان بن عفان، وتميم الداريّ، وسعيد بن جُبير، وأبو حنيفة (٢).
قال (٣): وكان أبو حنيفة يختمُ القرآنَ في شهر رمضان كلَّ يومٍ وليلةٍ مرتين.
وكان يقوم الليلَ بآيةٍ يردِّدُها، وهي قوله تعالى: ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَينَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾ [الطور: ٢٧].
وحُكيَ عن الحسن بن صالح قال: كان أبو حنيفة ينشدُ دائمًا هذا البيت: [من الطويل]
كفى حَزنًا أنْ لا حياة هنيَّة … ولا عملٌ يرضى به الله صالحُ (٤)
فصل: وأما حلمه واحتماله:
فروى القاضي الصيمريُّ عن يزيد بن هارون قال: ما رأيتُ أحلَمَ من أبي حنيفة، كان إذا بلغَهُ عن رجل أنَّه نال منه، بعث إليه برفقٍ وقال: غفرَ الله لك، قد وكَلتُكَ إلى من يَعلمُ منِّي خلافَ ما قلت.
قال: وجاءه رجلٌ فنال منه. وقال: يا ابنَ الفاعلة، فبكى وقال: إنَّ الله يَعلمُ مني خلافَ ما قلت، فَرَقَّ الرجل وقال: أسألُك بالله إلَّا جَعلتني في حلّ، فقد أخطأت، فازداد بكاءُ أبي حنيفة وقال. أنت في حلّ.
فصل في فتاويه وما يتعلق بها:
قال أبو يوسف: قيل لأبي حنيفة: إن العرزميَّ (٥) يقول: كانت عائشةُ تسافر مع غير محرم، فقال أبو حنيفة: إنَّها أمُّ المؤمنين، فهي من جميع المسلمينَ ذاتُ محرم.
(١) تاريخ بغداد ١٥/ ٤٨٧. (٢) تاريخ بغداد ١٥/ ٤٨٨. (٣) القائل هو يحيى بن نصر، كما في تاريخ بغداد ١٥/ ٤٨٨. (٤) ذكره الصيمري في أخبار أبي حنيفة ص ٣٦، لكن من رواية أبي يوسف. (٥) في (خ): العرمي. والتصويب من شرح معاني الآثار للطحاوي ٢/ ١١٦.