[وقال ابن أبي الدنيا:] ولما مات [هشام] ودفن، وقف مولًى له على قبره، فقال: فُعل بنا بعدك. وعدَّد أشياءَ. وهناك أعرابيٌّ قائم، فقال: إيه عنك (١)، فلو كُشف لكم عنه لأخبركم أنَّه لقيَ أشدَّ ممَّا لقيتُم (٢).
[قال أبو القاسم ابن عساكر:] ولمَّا مات هشام وأخذوا في غَسْلِهِ والناسُ قيامٌ؛ نظرَ ابنُ عبد الأعلى الشَّاعر إلى البيت الذي فيه هشام وقال:
وما سالمٌ عمَّا قليلٍ بسالمٍ … ولو كثُرَتْ أحراسُه وكتائبُهْ
ومَنْ يكُ ذا بابٍ شديدٍ وحاجبٍ … فعمَّا قليلٍ يهجُرُ البابَ حاجِبُهْ
ويُصبحُ بعد العزِّ يُقصيهِ أهلُهُ … رهينًا بلحدٍ لم تُمَهَّدْ جوانبُهْ
فما كان إلَّا الدَّفْنُ حتَّى تفرَّقَتْ … إلى غيره أجنادُهُ ومَوَاكبُهْ
وأصبح مسرورًا به كلُّ شامتٍ … وأَسْلَمَهُ أحبابُه وأقارِبُهْ
فنفسَكَ فَاكْسُهَا (٣) السَّعادةَ والتُّقَى … فكلُّ امرئٍ رهنٌ بما هو كاسِبُهْ
[قال:] فما رؤي أكثر باكيًا من ذلك اليوم (٤).
وسالم في هذا الشعر كاتبُ هشام ومولاه.
وهذا الشَّاعر اسمُه عبد الله [بن عبد الأعلى] وهو أخو عبد الصمد المتهومِ بالزَّنْدقَة [وكان جليسَ الوليد بن يزيد بن عبد الملك.
وكان لعبد الله شعر، ومنه ما كان يَتَرنَّمُ به عمر بنُ عبد العزيز:
أيقظانُ أنتَ اليومَ أمْ أنتَ نائمُ] (٥)
وكان عبد الله مباينًا لعبد الصمد، وهو القائل:
(١) كذا في (ب) و (خ) و (د). وفي (ص): إنه عنك مشغول.
(٢) بنحوه في "مختصر تاريخ دمشق" ٢٧/ ١٠٥.
(٣) في (ص): فاكْسِبْها.
(٤) ينظر: تاريخ دمشق ٧/ ٤٠ (مصورة دار البشير- ترجمة سالم بن عبد الله مولى هشام)، ومختصره ١٢/ ٣٣٤ (ترجمة عبد الله بن عبد الأعلى). وذكر المسعودي الخبر مع الأبيات في "مروج الذهب" ٥/ ٤١٤ - ٤١٥ في وفاة سليمان بن عبد الملك.
(٥) صدر بيت، وعجزُه: وكيف يُطيق النومَ حيرانُ هائمُ. ينظر "حلية الأولياء" ٥/ ٣١٩، و"تاريخ دمشق" ٥٤/ ١٩٧ (طبعة مجمع دمشق- ترجمة عمر بن عبد العزيز ﵁). وهذا الكلام الواقع بين حاصرتين من (ص).