وذكر أبو القاسم ابن عساكر فقال (١):] وكان ينزلُ أنطاكية، ولما ولَّى عبدُ الملك ولدَه مَسْلَمَة غزوَ الرُّوم أوصاه به، وقال: اجْعَلْهُ على طلائعك وعَسَسِ عسكرك في الليل، فإنَّه مقدامٌ ثِقَة أمين. [وخرج عبد الملك فشيَّعَهم إلى ظاهر دمشق].
فعقد مسلمة للبطَّال على عَشَرة آلاف من أهل الشَّام والجزيرة، وجعلهم سيَّارة فيما بين حصون الروم وعسكر المسلمين (٢).
وحكى أبو القاسم عن الوليد بن مسلم عن بعض شيوخه قال: قيل للبطَّال: ما أعجبُ (٣) ما رأيتَ في غَزَواتك؟ فقال: نزلتُ على قرية وقلتُ لأصحابي: لا تُهيجوهم، وإذا بيتٌ فيه سراج يَزْهَر، وامرأة تخوِّفُ ابنًا لها يبكي وهي تقول له: اسكُتْ وإلا سلَّمْتُك إلى البطَّال. [قال:] وأنا قائم على الباب وهي لا تشعر بي، فلما أكثر البكاء أخَذَتْه على يدها وأشارت به إلى الباب وقالت: خُذْ يَا بطَّال. فقلت: هاتِ. وأخذتُه.
وحكى [أبو القاسم أَيضًا عن] الوليد بن مسلم عن بعض شيوخه قال: رأيتُ البطَّال قافلًا من الحجّ في السنة التي قُتل فيها، يُخبر أنَّه لا يزال مشغولًا بالجهاد عن الحجّ، ويسأل الله الشهادة. ثم غزا في عامة ذلك، وأقبل ملك الروم -وقيل: ليبون (٤) - في مئة أَلْف، فالتقاهم البطَّال، فشدَّتْ عليه أبطال الروم، فشاطَتْه (٥) برماحها، وسقط عن سرجه وبه رَمَق.
وأقبل الليل فافترقوا، فقال البطَّال للنَّاس: الحقوا ببعض الأمصار. وبقي الليلَ مكانَه، وبلغ ليبونَ الخبرُ، فجاء فنزل، وقعد عند رأسه وقال له: يَا أَبا يحيى، كيف رأيتَ؟ قال: ما زالت الأبطال تَقْتُلُ وتُقْتَل.
(١) تاريخ دمشق ٣٩/ ٣٥٦ - ٣٥٧، وما قبله منه ص ٣٦٤. (٢) المصدر السابق، وما وقع من كلام بين حاصرتين من (ص). (٣) في (ب) و (خ) و (د): وقيل له: ما أعجب … والمثبت عبارة (ص). والكلام في "تاريخ دمشق" ٣٩/ ٣٥٨ (طبعة مجمع دمشق). (٤) في المصدر السابق: ليون. وفي (ص): وقيل: ابن لبنون. (٥) في "تاريخ دمشق" ٣٩/ ٣٦١: شالته.