قال: فلمَّا قدمنا على يزيد أخبرناه خَبَرها، فأرسل إلى مولاها، فاشتراها بمئة ألف درهم، فلما قَدِمَتْ عليه حَظِيَتْ عنده، وبعثَتْ إلينا بالهدايا والألْطَاف (١).
وقوله: يا بيت عاتكة، ما أرادَ عاتكة بنت يزيد بن معاوية، وإنما أرادَ عاتكة أخرى يقال لها: أمّ جعفر، كانت عفيفةً صالحة، شبَّبَ بها الأحوص، وقفت عليه يومًا وهو في نادي قومه، فقالت له: اقضِ ثمنَ الغنم التي اشتريتَ منّي. فقال: واللهِ ما أعرفُكِ ولا رأيتُكِ قبل اليوم! فقالت لقومه: خوِّفوه من الله تعالى. فكرَّرَ الأَيمان أنَّه ما رآها قبل اليوم، فكشفَتْ وجْهَها وقالت: يا عدوَّ الله، فأنا عاتكة (٢) التي شَبَّبْتَ بي وفضحتَني في شعرك. فانكسر الأحوص، وبرئت المرأة.
وقال الرِّياشيّ: كتبَ الأحوص إلى عمر بن عبد العزيز ﵁ من دَهْلَك:
فمَنْ كان أمسى سائلًا عن شماتةٍ … ليشمتَ بي أو شامتًا غير سَائلِ
فقد عَجَمَتْ (٣) مني الحوادثُ ماجدًا … صَبُورًا على غَمَّاءِ تلك البلابلِ
إذا سُرَّ لم يَفْرَحْ، وليس لِنَكْبَةٍ … أَلَمَّتْ به بالخاشعِ المتضائلِ (٤)
وقال جعفر بن سليمان: ما سمعتُ بأشعرَ من القائل:
إذا رُمْتُ عنها لسَلْوة قال شافعٌ … من الحُبِّ ميعادُ السُلُوّ المقابِرُ
فقيل له: بلى، الأحوص، حيث يقول:
سيَبْقَى لها في مُضْمَرِ القلبِ والحَشَا … سَرِيرَةُ وُدِّ يومَ تُبْلَى السَّرائرُ (٥)
(١) ينظر "الأغاني" ٢١/ ١٠٨ - ١٠٩، و"مختصر تاريخ دمشق" ١٣/ ٢٧٨ - ٢٨٠ (وليس لديّ ترجمة الأحوص في "تاريخ دمشق" (وأورد ابن عساكر القصة أيضًا في "تاريخه" ١٩/ ٦٠٣ (مصورة دار البشير) في ترجمة أم سعيد شاعرة حجازية. ونقل أبو الفرج بإثر القصة عن مصعب الزبيري قوله: أظنُّ القصة كلَّها مصنوعة. (٢) في "الأغاني" ٦/ ٢٥٨ (والخبر فيه بنحوه): أنا أمُّ جعفر. (٣) أي: اختبرت وامتحنت. (٤) ينظر "الأغاني" ٤/ ٢٤٧ و ٩/ ٦٥ - ٦٦. (٥) الأمالي لأبي علي القالي ٢/ ١٦٦. وفي "الأغاني" ٤/ ٢٤٨ أن عمر بن عبد العزيز ذكر بيت الأحوص هذا ثم قال: إن الفاسق عنها يومئذٍ لمشغول. قلتُ: وقد قال تعالى: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلا الْمُتَّقِينَ﴾. وقال أيضًا: ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾. ومن قوله: وكان سنُّه ثمانيًا وثلاثين سنة (قبل ست صفحات) … إلى هذا الموضع، ليس في (ص).