وكان من أصحاب عليّ ﵇، شهد معه مشاهدَه كلَّها، فلما استُشهد؛ خرجَ إلى مكة، فأقام بها حتَّى مات (١).
وقال الزبير بن بكَّار: وقد عامر على معاوية، فقال له: ألستَ من قتلة عثمان؟! قال: لا، ولكني ممَّن لم ينصره [قال: وما منعك من نصره؟! قال: لم ينصره] المهاجرون والأَنْصار. فقال معاوية: واللهِ لقد كان حقًّا عليهم أن ينصروه. قال له عامر: فما منعك أنتَ من نصره ومعك أهل الشام؟! فقال معاوية: طلبي بدمه نصرةٌ [له]. فضحك عامر، وقال: أنتَ وعثمانُ كما قال القائل؟
لا أُلْفِيَنَّكَ بعد الموتِ تَنْدُبُني … [وفي حياتيَ ما زَوَّدْتَني زادي]
قال له معاوية: ما أبقى الدهر من ثُكْلِكَ على أبي تراب؟ فقال: ثُكْلِي على أمير المُؤْمنين ثُكْلُ المِقْلات العجوز، والرَّقُوب. قال: فكيف حبُّك له؟ قال: حبُّ أمِّ موسى لموسى. ثم قام فخرج (٢).
وكان عامر فصيحًا فاضلًا شاعرًا حاضرَ الجواب. ومن شعره:
أيدْعونَني شيخًا وقد عِشْتُ بُرْهةً … وهنَّ من الأزواج نحوي نوازعُ
وما شابَ رأسي من سنينَ تتابَعَتْ … عليَّ ولكن شَيَّبَتْني الوقائعُ (٣)
وتوفي بعد سنة مئة، وقال خليفة: تُوفِّي بمكة سنة اثنتين ومئة (٤). وقيل: سنة سبع ومئة. وقيل (٥): عشر ومئة، والأوّل أصحّ (٦).
(١) تاريخ دمشق ص ٤٦٥ (طبعة مجمع دمشق- تراجم حرف العين). (٢) تاريخ دمشق ص ٤٦٠ - ٤٦١. وما سلف بين حاصرتين منه. والبيت المذكور لِعَبيد بن الأبرص، وهو في "ديوانه" ص ٦٢، وصدره فيه: لأعرفنّك بعد … قال ابن عساكر بإثر الخبر: المِقْلات: التي لا يعيش لها ولد، والرَّقوب: الرَّجل الذي قد يئس أن يولد له. (٣) تاريخ دمشق ص ٤٧٨. (٤) لم أقف على هذا القول، والذي في "طبقات" خليفة ص ١٢٧: مات بالمدينة، وفي الصفحة ٢٧٩: مات بعد سنة مئة، ويقال: سنة سبع ومئة. وأورده في "تاريخه" ص ٣٢٥ فيمن مات في خلافة عمر بن عبد العزيز سنة (١٠١). (٥) في (خ) (والكلام منها): وثماني، بدل: وقيل. والصواب ما أثبتّه. وينظر "تاريخ دمشق" ص ٤٨٠ - ٤٨١. (٦) ذكر الذهبي في "سير أعلام النبلاء" ٣/ ٤٧٠ أن الصحيح في موته سنة عشر ومئة.