[وذكر المعافى بن زكريا أن] الحجاج قال يومًا: ما في أرى الناس قد قَلُّوا على موائدي؟ فقال له الصلت بن قُران العَبديّ: أيها الأمير، إنك أكثرتَ خيرَ البيوت، فقلَّ غِشيان الناس لموائدك، فقال: الحمد لله، بارك الله عليك، وأحسن إليه.
[وقال المعافى:] أُتي الحجاج برجلٍ يرى رأيَ الخوارج، فقال له: أخارجيٌّ أنت؟ فقال: والذي أنت بين يديه غدًا أذلّ مني بين يديك اليوم، ما أنا بخارجيّ، فقال الحجاج: إني يومئذٍ لذَليل، وأطلقه (١).
[وذكر القاضي التَّنوخي في كتاب "الفَرَج بعد الشدّة" عن أبي عمرو بن العلاء قال:] (٢) كنت أقرأ: ﴿إلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾ [البقرة: ٢٤٩]، بفتح الغين، وبلغ الحجاج وكان يقرأ: "غُرفة"، بالضم، فطَلبني، فهربتُ منه إلى بَراري صَنعاء، قال: فأقمتُ زمانًا، فسمعتُ أعرابيًّا ليلةً يُنشد أبياتَ أُميَّة بن أبي الصَّلْت: [من الخفيف]
يا قليلَ العَزاءِ في الأموالِ … وكثيرَ الهُمومِ والأشغالِ
صَبر النَّفْسَ عندكل مُلِمٍّ … إن في الصَّبرِ حيلةَ المُحتالِ
لا تَضِيقَنَّ في الأمورِ فقد تُكـ … ـــــــــشفُ غَمَّاؤها بغيرِ احتيالِ
رُبَما تَجْزَعُ النُّفوسُ من الأمـ … ــــــــر له فرجَةٌ كَنَشْطِ العِقالِ
قال: فاستَطْرَفْتُ قولَه: فَرجة بالفتح، وقلت: أَخْصِم الحجاج بها، فبينما أنا كذلك إذ سمعتُ قائلًا يقول: مات الحجاج، فلم أدرِ بأيِّ شيءٍ كنتُ أشدَّ فرحًا؛ بموت الحجاج، أم بسماع البيت!
[وقد رواه الأصمعي، وذكر أن الذي أنشد البيت أخبره بموت الحجاج.] (٣)
ذكر مكاتبات عبد الملك إلى الحجاج:
[ذكر هشام بن محمد، عن أبيه قال:] كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج: جنّبني دماءَ آل أبي طالب، فإني رأيتُ الملْكَ استوحش من آل حرب لمّا سفكوا دماءهم.
(١) "تاريخ دمشق" ٤/ ٢٢٥ - ٢٢٦ من طريق المعافى، وما بين معكوفين من (ص).
(٢) ما بين معكوفين من (ص)، وبدله في (خ، د): وقال أبو عمرو بن العلاء. هذا والأخبار الثلاثة الأخيرة وردت في (ص) بعد قوله: ذكر مكاتبات عبد الملك إلى الحجاج بثلاثة أخبار.
(٣) "الفرج بعد الشدة" ٤/ ٦٩ - ٧٤. وما بين معكوفيق من (ص).