مُشْتَقَّةٌ من رسول الله نَبْعَتُهُ … طابَتْ عَناصِرُه والخِيمُ والشِّيَمُ
اللهُ شرَّفه قِدْمًا وفَضَّله … جَرى بذاك له فِي لَوْحِه القَلَمُ
كِلتا يدَيه غِياثٌ عَمَّ نَفْعُهُما … يَسْتَوكِفَانِ ولا يَعْرُوهما (١) العَدَمُ
سَهْلُ الخَليقَةِ لا تُخْشى بَوادِرُه … يَزِينُه اثْنَتانِ الحِلْمُ والكَرَمُ (٢)
حَمَّالُ أثقالِ قَومٍ إذ هُمُ فُدِحُوا … رَحْبُ الفِناءِ أَريبٌ حين يَعْتَزِمُ
أيُّ البَرِيَّةِ ليستْ فِي رِقابهمُ … لأوَّليَّةِ هذا أو له نِعَمُ
عمَّ البَريَّةَ بالإحسانِ فانْقَشَعَتْ … عنه الغَيايَةُ لا هِرْقٌ ولا كَهَمُ (٣)
من مَعْشَرٍ حُبُّهم دينٌ وبُغْضُهُمُ … كُفْرٌ وقُرْبُهمُ مَنْجًى ومُعْتَصَمُ
لا يَستطيعُ جَوادٌ بُعْدَ غايَتهم … ولا يُدانِيهِمُ قَومٌ وإن كَرُموا
همُ الغُيوثُ إذا ما أَزْمَةٌ أَزِمَتْ … والأُسْدُ أُسْدُ الشَّرَى والبَأْسُ مُحْتَدِمُ
لا يَنْقُصُ العُسْرُ بَسْطًا من أكُفِّهمُ … سِيَّانَ ذلك إن أَثْرَوْا وإن عَدِموا
يُستَدفَعُ السُّوءُ والبَلوى بحُبِّهمُ … ويُسْتَرَبُّ به الإحسانُ والنِّعَمُ
مُقَدَّمٌ بعد ذِكرِ اللهِ ذِكرُهُمُ … فِي كلِّ فَصْلٍ (٤) ومَخْتُومٌ به الكَلِمُ
يأبى لهم أن يَحُلَّ الذَّمُّ ساحَتَهم … خِيمٌ كريمٌ وأَيدٍ بالنَّدى هُضُمُ
فِي كفِّه خَيزُرانٌ ريحُه عَبِقٌ … من كفِّ أرْوَعَ فِي عِرْنينِه شَمَمُ (٥)
لا يُخلِفُ الوَعْدَ مَيمونٌ نَقِيبَتُه … حُلْوُ الشَّمائلِ تَحْلُو عنده نَعَمُ
فلما سمع ذلك هشام غضب، وانقلبَتْ حَولتُه، وأمر بحبس الفرزدق، فحُبِس بمنزلٍ يقال له: عُسْفَان بين مكة والمدينة، فهجا الفرزدقُ هشامًا فقال: [من الطَّويل]
أيَحبِسُني بين المدينةِ والتي … إليها قلوبُ الناسِ يَهوي مُنيبُها
(١) فِي النسختين: عم ناملها … لا يغروهما. والمثبت من "تاريخ دمشق" و "المنتظم".
(٢) فِي النسختين: بريبه اثنيان الخلق والكظم؟!
(٣) فِي المصادر: عنه (عنها) الغياية والإملاق والعدم (أو الظلم)، والغَيايةُ: كلُّ ما أظلَّك، كالسحابة، والهرق بكسر الهاء وتسكين الراء الثوب البالي الخَلَق، ورجل كهام بفتحتين: كليل بطيء مسنّ لا غناء عنده.
(٤) فِي "الأغاني" ٢١/ ٣٧٧، و "المنتظم": فِي كل بدء. وقوله: يسترب: يستزاد.
(٥) هذا البيت فِي المصادر عقب: يغضي حياء. قوله: خيم: أصل، هضم: كثيرة الإنفاق. الأروع: الذي يروعك حسنه وشجاعته. العرنين: الأنف. الشمم: ارتفاع قصبة الأنف مع حسنها واستوائها.