كنتُ آكله فِي بيتي، ولا تُسرفي فهذا مقصود هشام: أن يذهب مالي، وأحتاج إِلَى ما فِي أيديهم، وأنا لا أدري كم أُقيم فِي الحبس.
[وقال هشام: قال ابن المسيّب: لا أُبايع لأحد وعبد الملك حيّ؛ فإن له فِي عُنقي بيعة، فضربه هشام ضربًا مُبَرِّحًا، وألبسه المُسُوح، وسيَّره إِلَى ذِباب؛ ثَنيَّةٍ بالمدينة كان يصلب عندها الناس، فلما ردَّه إِلَى الحبس قال: والله ما ظننتُ إلَّا أنَّهم يَصلبونني، ولولا ذلك ما لبست التُّبَّان؛ لأنه أستر بي.
قال: وبلغ عبد الملك فقال: قاتل الله هشامًا، كان الواجب أنَّه لما امتنع أن يَضرب عنقه (١).
قلت: يرحم الله سعيد بن المسيّب، فلقد عرض نفسه على السيف والهوان فِي غير شيء، وقد قال ﷺ:"لَّا يحلُّ للمؤمن أن يُذلَّ نفسَه"(٢)، أليس قد بايع لعبد الملك فِي حياة مروان بن الحكم لما أخذ العهد لابنه عبد الملك، فأيّ فرقٍ بين مروان وعبد الملك.
وقال الهيثم: قُتل ابن الزُّبير عقيب ضرب ابن المسيّب، ومات أَيضًا عبد الملك بعد ضربه بقليل، وعُزل هشام بن إسماعيل.] (٣)
وروى ابن سعد، عن علي بن زيد بن جُدعان قال: قلت لسعيد: يزعم قومُك أنَّه ما منعك من الحج إلَّا أنك جعلتَ لله عليك إذا رأيت الكعبة أن تدعوَ الله علي بني مروان، قال: ما فعلت، وما أصلي صلاةً إلَّا دعوتُ الله عليهم.
وروى ابن سعد أَيضًا عن أبي يونس قال: دخلتُ مسجد المدينة فإذا ابن المسيّب جالس وحده، فقلت: ما شأنُه؟ قالوا: نُهي أن يُجالِسَه أحد.
(١) انظر "تاريخ الطبري" ٦/ ٤١٥ - ٤١٦، و"أنساب الأشراف" ٦/ ٣٧٤ - ٣٧٥، وقوله: وبلغ عبد الملك … جاء فِي (خ) و (د) قبل الخبر الذي فيه: صنعت ابنة سعيد لأبيها طعامًا، ولفظه فيهما: وقيل إن عبد الملك لما بلغه ما فعل هشام به قال. (٢) أخرجه أَحْمد (٢٣٤٤٤) من حديث حذيفة بن اليمان ﵁. (٣) ما بين معكوفين من (ص)، وجاء بعده قصة تزويج سعيد ابنته، وقد سلفت قريبًا.