لهم بسطام: لو كنا إذا فَررنا بأنفُسنا من الموت نَجونا منه لفررنا، ولكنا قد علمنا أنه نازِلٌ بنا عن قليل، فأين المَحِيد عما لا بدَّ لنا منه، والله إنكم على الحق، ولو لم تكونوا عليه لكان موتٌ في عز (١)؛ خير من حياة في ذل، فحملوا فكشفوا أهلَ الشام مِرارًا، فقال الحجاج: عليَّ بالرُّماة، فجاؤوا فرشقوهم مِرارًا حتى قتلوا أكثرهم.
وأما ابن الأشعث فإنه مضى ومَن معه إلى سجستان، فأتبعهم الحجاج عُمارةَ بنَ تميم اللَّخمي، ومعه ابنه محمد بن الحجاج، وعُمارة هو الأمير على الجيش، فأدركوا ابنَ الأشعث بالسُّوس فقاتلوه، ثم انهزم فأتى سابور، واجتمع إليه الأكراد والفُلول، وقاتلهم عُمارة قِتالًا عظيمًا وجُرح جراحات كثيرة، ثم انهزم عمارة وأصحابه، وأتى ابن الأشعث كَرْمان، وعامِلُه بها عَمرو بن لَقيط العَبْديّ، فأكرمه، وأقام له الضيافة، ثم سار في مَفازة كَرمان فإذا بقَصرٍ في المَفازة، فدخله بعضُ أصحابه، وإذا على حائطه مكتوب:[من الوافر]
والشعر لأبي جِلْدَةَ (٣) اليَشْكُريّ من أبيات كتبها بعض أهل الكوفة.
ثم سار ابن الأشعث حتى أتى زَرَنْج مدينة سِجستان، وبها عاملُ ابن الأشعث عبد الله بن عامر من بني مُجاشع، فعصى عليه وأغلق الأبوابَ دونَه، فأقام أيامًا رَجاء فتحها فلم تُفتح له، فسار إلى بُسْت، وعليها عاملُه عِياض بن هبان (٤) السَّدُوسيّ -وقيل: من بكر بن وائل- فاستقبله وأنزله، وانتظر غَفْلَةَ أصحاب ابن الأشعث عنه وتَفَرُّقَهم، ثم وَثَب عليه فأوثقه؛ ليتَّخذَ به عند الحجاج يدًا، وأغلق باب البلد.
(١) في النسخ: موت في غير عز، والمثبت من الطبري ٦/ ٣٦٧. (٢) في الطبري ٦/ ٣٦٨، و"أنساب الأشراف" ٦/ ٤٦٤، و"الأغاني" ١١/ ٣١٣: فنمنعها. (٣) في النسخ: لابن خلدة، والتصويب من المصادر. (٤) كذا في النسخ، وفي الطبري ٦/ ٣٦٩: هميان، وفي "أنساب الأشراف" ٦/ ٤٦٤: عمرو.