فأمُّكُمُ لا تتركُوها وكلبَكم … فإنَّ عقوق الأمَّهاتِ كبيرُ
إذا ما انتشى من آخرِ الليلِ نَشْوةً … يبيتُ له (١) فوق الفراشِ هريرُ
فاستَعْدَوْا عليه عثمان، فحبَسه، فمات في الحبس. وكان قد اتَّخَذَ مشاقص ليقتلَ بها عثمان، فلم يقدر، فقال في مرضه:
وقائلةٍ لا يُبعدُ اللهُ ضابئًا … إذا اخضرَّ من وقت الشتاء أصائلُهْ
وقائلةٍ لا يبعد الله ضابئًا (٢) … إذا القِرْنُ لم يوجد له مَنْ ينازلُهْ
هممتُ ولم أفعلْ وكِدْتُ وليتني … تركتُ على عثمانَ تبكي حلائلُهْ
ولما قُتل عثمان دخل عليه عمير هذا، فكسرَ ضِلَعًا من أضلاعه بثأر أبيه، وقال: أنتَ حبستَ ضابئًا يا نَعْثَل.
فقال الحجَّاجُ: ردُّوه. فردُّوه، فقال: أتشهدُ يوم الدار بنفسك، وتبعثُ عنك في غيرها بديلا؟! إني لأحسب في قتلك صلاحَ المِصْرَين، قم يا حَرَسيّ فاضربْ عُنقَه. فقامَ فضرب عنقه.
وسمع ضوضاء على الباب، فقال: ما هذا؟ فقالوا: البراجم ينتظرون عُميرًا. فقال: أتحفوهم (٣) برأسه. فألَقوْه إليهم، فولَّوْا هاربين، ولحقوا بمراكزهم، فكان أوَّل من قتله الحجاجُ بالكوفة، فقال الناس: قدم الكوفة رجلٌ من شرِّ أحياء العرب من هذا الحيّ من ثمود، دقيق الساقين، ممسوح الجاعِرَتَين، أخفش العينين، فقدَّم سيِّد الحيِّ عُميرَ بنَ ضابئ، فقتله (٤).
(١) في (أ): لها. والأبيات في "الشعر والشعراء" ١/ ٣٥٠. (٢) في (م): قولها. (٣) المثبت من (م)، وهو موافق لما في "المنتظم" ٦/ ١٦٣. وفي النسخ الأخرى: الحقوهم. (٤) المنتظم ٦/ ١٦١ - ١٦٣ دون قوله: فكان أول من قتله الحجاج … إلخ. وقد سلف في الرواية قبلها.