وقالوا غدًا أو بعد ذاك بليلةٍ … فراقُ حبيبٍ لم يَبِنْ وهو بائنُ
وما كُنْتُ أخشى أن تكون مَنِيَّتي … بكفَّيّ (١) إلَّا أنَّ ما حانَ حائنُ
[ثم جعل يلثُم تراب المَطِيّ ويقول:
وما أحببتُ أرضكُمُ ولكن … أُقَبِّلُ إثْرَ مَنْ وَطِئ الترابا
لقد لاقَيتُ من كَلَفي بلُبْنَى … بلاءً ما أُسِيغُ به الشَّرابا
إذا نادى المنادي باسم لُبْنى … عَييتُ فما أُطِيقُ له جوابا] (٢)
ثم كان يخرج إلى الأحياء ويُنشد الأشعار ويبكي، فقيل له: منذ كم أنت بهذا الوَجْد؟ فقال:
تَعلَّقَ روحي رُوحَها قبلَ خَلْقِنا … ومن بعدِ ما كنَّا نِطافًا وفي المَهْدِ
فزادَكما زِدْنا فأصبحَ ناميًا … وليس وإنْ مِتْنا بمنفصمِ (٣) العهدِ
ولكنّه باقٍ على كلِّ حالةٍ (٤) … وزائرُنا دي ظُلْمةِ القبرِ واللَّحْدِ
يكاد فَضِيضُ الماء (٥) يَخْدِشُ جِلْدَها … إذا اغتَسَلَتْ بالماء من رِقَّةِ الجِلْدِ
قال الزُّبير بن بكَّار: أنشد أبو السائب المخزومي هذه الأبيات، فحلف لا يزالُ يقومُ ويقعدُ حتى يحفظها (٦).
[قال هشام: ومرضَ مرضًا شديدًا فجيء بطبيب، فقال له: ما الَّذي تجدُ ممَّا تشتكي؟ فتَنَهَّدَ وتأسف وأنشد:
هل الحبُّ إلَّا زَفْرَةٌ بعد زَفْرَةٍ … وحَرٌّ على الأحشاء ليس له بَرْدُ
وفَيضُ دموعٍ تستهلُّ إذا بدا … لنا عَلَمٌ من أرضكم لم يكن يَبْدُو] (٧)
(١) فِي "الأغانِي" ٩/ ١٨٥: بكفَّيك.
(٢) ما بين حاصرتين من (ص) و (م). وينظر "الأغاني" ٩/ ١٨٥ - ١٨٦.
(٣) فِي "الأغاني" ٩/ ١٩٤: إذا متنا بمنصرم. وفي ص ١٩٦: بمنتقض.
(٤) فِي "الأغاني": حادث.
(٥) أي: ما تناثر منه. وتحرفت لفظة "فضيض" فِي (أ) و (ب) و (خ) إلى: بصيص، ولم يرد هذا البيت، ولا كلامُ الزبير بن بكار الآتي بعده فِي (ص) و (م)، وسيرد فيهما أواخر الترجمة من رواية الخرائطي، وسأذكره فِي الحاشية، كي لا يتكرر.
(٦) تاريخ دمشق ٥٩/ ٩٨ - ٩٩ (طبعة مجمع دمشق).
(٧) ما بين حاصرتين من (ص) و (م). وينظر "الأغاني" ٩/ ١٩٦، وفيه: هل الحبُّ إلَّا عَبْرَة بعد زفرةٍ.