فأمرَ به المختارُ إلى السجن، ثم أحضره بعد ذلك، فأنشدَه:
أَلا أَبْلغْ أَبا إسحاقَ أنَّا … نَزَوْنا نَزْوةً كانَتْ عَلَينا
خَرَجْنَا لا نَرى الضُّعفاء شيئًا … وكان خُروجُنا بَطَرًا وحَينَا
نَراهُم في مصافِهمُ قليلًا … وهم مِثْلُ الدَّبَى (١) حين التَقَينا
ومنها:
نُصِرْتَ على عدوِّك كلَّ يومٍ … بكلِّ كتيبةٍ تَنْعَى حُسَينا
كنصر محمدٍ في يوم بدرٍ … ويومَ الشِّعْبِ إذْ لاقَى حُنَينَا
فأَسْجِحْ إذْ ملكتَ فلو مَلَكْنَا … لَجُرْنا في الحكومة واعتَدَينا
تَقَبَّلْ توبةً مني فإنّي … سأشكرُ إنْ جعلتَ النَّقْدَ دَينَا
فأراد قتله، فقيل: إنه يحلفُ بالله لقد رأى الملائكة تقاتل على الخيول البُلْقِ بين السماء والأرض، فقال له المختار: فاصعد المنبر فأَعْلمِ المسلمين ذلك. فصعد، فأخبرهم ثم نزل، فخلا به المختار وقال: قد علمتُ أنك لم تَرَ الملائكة، وإنما أردتَ أن لا أقتلَكَ، فاذْهَبْ حيث شئتَ، لا تُفسد عَلَيَّ أصحابي (٢).
وخرج أشرافُ الكوفة إلى البصرة وفيهم سُراقةُ بن مِرْداس وهو يقول:
ألا أبْلِغْ أَبا إسحاق أنّي … رأيتُ البُلْقَ دُهْمًا مُصْمِتاتِ
كفرتُ بوَحْيكُم وجعلتُ نَذْرًا … عليَّ قتالكم حتَّى المماتِ
أُرِي عينيَّ ما لم ترأياه … كلانا عالمٌ بالتُّرَّهاتِ
إذا قالوا أقولُ لهم كَذَبْتُم … وإنْ خرجوا لبستُ لهم لذاتي (٣)
وفي رواية: أنَّه لما أُسر قال: ما أنتم أسرتُموني، ما أسَرَني إلَّا قومٌ على دوابَّ بُلْق، عليهم ثيابٌ بيض. فقال المختار: أولئك الملائكة. فأطلقَه (٤).
(١) أي: الجراد.
(٢) تاريخ الطبري ٦/ ٥٤ - ٥٥.
(٣) كذا في (أ) و (ب) و (خ). وفي (ص): لذاتي، ولم يتبيَّن لي. وفي "تاريخ الطبري" ٦/ ٥٥، و"البداية والنهاية" ١٢/ ٢٣: أداتي ..
(٤) تاريخ الطبري ٦/ ٥٥. وينظر "العقد الفريد" ٢/ ١٧٠.