وقد أخْلفَتْنا كلَّ ما وعدَتْ بهِ … وواللهِ ما أخلفتُها عامدًا وَعْدا
فقلتُ مجيبًا للرسول الذي أتى … تُراه -لكَ الويلاتُ- مِنْ قولِها جِدَّا
إذا جئتَها فاقْرَ السلامَ وقُلْ لها … دَعِي الجَوْرَ ليلى واسْلُكي مَنْهجًا قصْدا
أفي مُكْثِنا عنكم ليالٍ مَرِضْتُها … تَزِيدِينَني ليلى على مرضي جُهْدا
تَعُدِّينَ ذنبًا واحدًا ما جنَيتُهُ … عليَّ وما أُحصي ذنوبَكُمُ عَدَّا
فإن شئْتِ حرَّمتُ النِّساء سواكُمُ … وإنْ شْئْتِ لم أطعم نُقاخًا (١) ولا بَرْدا (٢)
وخطب الحارثُ في مَقدَمِهِ دمشق عَمْرةَ بنت النعمان بن بشير الأنصاري، فقالت:
كُهولُ دمشقَ وشُبَّانها … أحبُّ إليَّ من الجالِيَهْ (٣)
لهم ذَفَرٌ كصُنانِ التُّيُو … سِ أَعْيَا على المِسْكِ والغَاليَهْ
وبلغ الحارث فقال:
ساكناتُ العقيقِ أشهى إلى النَّفـ … ـسِ من الساكناتِ دورَ دمشقِ
يتضوَّعْنَ إنْ تطيَّبْنَ بِالمِسْـ … ـكِ صُنانًا كأنّه ويحُ مَرْقِ (٤)
وتزوَّج الحارثُ أمَّ عبد الملك بنتَ عبد الله بن خالد بن أَسِيد -وهي أمُّ عمران ومحمد ابنَي عبد الله بن مطيع- وقال فيها:
يا أمَّ عمران ما زالت وما بَرحَتْ … بنا الصَبابةُ حتى مسَّنا الشَّفَقُ
القلبُ تاقَ إليكم كي يُلاقِيكُم … كما يتُوقُ إلى مَنْجاتِهِ الغَرِقُ
تُؤتيك شيئًا قليلًا وهي خائفةٌ … كما يمسُّ الحيَّةِ الفَرِقُ
وأنشد رجلٌ هذه الأبيات وعمران [بن عبد الله] بن مطيع جالس، فذكر مجلس عمران، فاستحيا، فقطع البيت الآخِر، فقال له عمران: لا بأس عليك، فإنها كانت زوجتَه (٥).
(١) النُّقاخ: الماء البارد العذب.
(٢) ينظر "الأغاني" ٣/ ٣٣٢ - ٣٣٣.
(٣) قال عوانة بن الحكم: الجالية أهل الحجاز، كان أهل الشام يسمّونهم بذلك لأنهم كانوا يجلون عن بلادهم إلى الشام. "الأغاني" ٩/ ٢٢٨.
(٤) نسب قريش ص ٣١٣ - ٣١٤، وتاريخ دمشق ص ٢٥٩ (تراجم النساء- طبعة مجمع دمشق). والأبيات بنحوها في "الأغاني" ٩/ ٢٢٧، والأوَّلان فيه لحميدة بنت النعمان بن بشير.
(٥) الأغاني ٣/ ٣٣٠ (وما بين حاصرتين منه)، وتاريخ دمشق ٤/ ٩٥ (مصورة دار البشير).