وقال له الحرُّ بن يزيد: يا حسين، إني أُذكِّرك (١) اللهَ في نفسك، فإني أشهدُ لئن قاتلتَ (٢) لَتُقْتَلَنَّ، ولئن قُوتِلتَ لتهلكنّ. فقال له الحسين ﵁: فَبالموتِ تُهَدِّدُني؟! وهل يعدو بكم الخَطْب إلا أن تقتلوني؟! ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه وكان قد لقيَه وهو يريد نُصرة رسول الله ﷺ، فقال: أين تذهب؟ فإنَّك مقتول، فقال:
سأمضي فما في الموت عارٌ على الفتى … إذا ما نَوَى (٣) حقًّا وجاهدَ مُسلما
وآسَى الرِّجال الصالحين بنفسه … وحسبُك ذُلًّا أن تعيش وتُرغَما (٤)
فلما أن سمع الحرُّ ذلك منه تنحَّى عنه، وكان يسير بأصحابه ناحية، والحسين ﵁ ناحية، حتى انتهَوْا إلى عُذَيْب الهِجانات، وإذا بأربعة نَفَر من الكوفة قد أقبلوا على رواحلهم يجنِّبون فرسًا (٥) لنافع بن هلال يقال له: الكامل، ودليلُهم الطِّرِمَّاحُ بنُ عدي، جاؤوا ليقاتلوا مع الحسين ﵁، والطِّرِمَّاحُ يرتجز ويقول:
يا ناقتي لا تُذعَرِي من زَجْري … وشَمَري قبلَ طلوعِ الفجرِ
بخير رُكْبانٍ وخيرِ سَفْرِ … حتى تَحِلِّي بكريم النَّجرِ
فأراد الحرُّ ردَّهم إلى الكوفة، فقال له الحسين ﵁: لأمنعنَّهم ممَّا أمنعُ منه نفسي، إنما جاؤوا إلى نُصرتي. فسكت الحرّ.
(١) في (ب) و (خ): إذا ذكرت، وهو تحريف، والمثبت من "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٠٤. (٢) في (خ): قاتلتك، والمثبت من (ب)، وهو الموافق في "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٠٤، وينظر "أنساب الأشراف" ٢/ ٤٧٣ - ٤٧٤. (٣) في (ب) و (خ): يرى، والمثبت من "تاريخ الطبري". (٤) في "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٠٤: وفارق مثبورًا يغشُّ ويُرغما. وفي "أنساب الأشراف" ٢/ ٤٧٤: وآتى الرجال الصالحين بنفسه … وفارق مثبورًا وخالف مجرما فإن عشتُ لم أُذمم وإن متّ لما أُلَمْ … كفى لك ذلًّا أن تعيش وتُرغما (٥) أي: يقودونه معهم مجانبًا لهم. (٦) في "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٠٥: الحرّ، ولم يرد هذا البيت من الرجز في "أنساب الأشراف".