فلما قدموا أخبره، فلما دخل على معاوية قال: ألم يبلغني أنك تُشَبِّبُ بِرَمْلَةَ؟ قال: بلى، ولو علمتُ أنَّ أحدًا أشرفَ منها لشعري لذكرتُه. فقال له معاوية: وأين أنتَ من أختها هند؟ قال: وإن لها أختًا اسمُها هند؟! قال: نعم. قال: وإنَّما قَصَدَ معاويةُ أَنْ يُشبِّبَ بهندٍ، فيُكذِبَ نفسَه.
فلم يرضَ يزيد بهذا، فأرسلَ إلى كعب بن جُعَيل، فقال: اُهْجُ الأنصار. قال: فإنَّ لهم عندي يدًا في الجاهلية ولا أُجازِيهم بالهجو، ولكن عليك برجل لا يخاف الله، ولا يستحيي من الناس. قال: مَنْ هو؟ قال: الأخطل. فأرسلَ إليه، فهجاهم، فقال:
وإذا نَسَبْتَ ابنَ الفُريعة (١) خِلْتَه … كالجحش بين حمارة وحمارِ
لعن الإلهُ من اليهودِ عصابةً … بالجِزْعِ بين صُلَيصلٍ وصُؤارِ (٢)
قومٌ إذا هَدَرَ العصيرُ رأيتَهمْ … حُمْرًا عيونُهمُ من المُسْطارِ (٣)
خَلُّوا المكارمَ لستُمُ من أهلها … وخُذُوا مَساحِيَكُم (٤) بني النَّجَّارِ
ذهبت قريشٌ بالمكارم والعُلا … واللُّؤْمُ تحت عمائمِ الأنصارِ
ومدح معاوية، فقال:
تَسْمُو العيونُ إلى إمامٍ عادلٍ … مُعْطَى المهابةِ نافعٍ ضرَّارِ
وتُرَى عليه إذا العيونُ لَمَحْنَهُ … سيما الحليمِ وهيبةُ الجبَّارِ
وبلغ النعمانَ بنَ بشير، فدخل على معاوية فحسَرَ عن رأسه وقال: أيزعُم الأخطل أنَّ اللؤْمَ تحت عمائمنا؟! قال: أوقد فعل؟ قال: نعم. قال: لك لسانُه. فالتجأ إلى يزيد، فحماه، وقال للنعمان: أقِمِ البَيِّنَة. فقال: يا يزيد، وأيُّ بيِّنة أبينُ من قوله (٥)؟!
(١) الفُرَيْعة: أمّ حسَّان بن ثابت ﵁. (٢) كذا في (ب) و (خ) (والكلام ليس في م). وفي "معجم البلدان" ٣/ ٤٣٢: صؤار: موضع بالمدينة. وفي "الأغاني" ١٥/ ١٠٧: صِرار. بدل: صُؤار. وهو موضع على ثلاثة أميال من المدينة، وصُلَيصل تصغير صُلْصُل؛ موضع على سبعة أميال من المدينة. ينظر "معجم البلدان" ٣/ ٣٩٨ و ٤٢١. والجِزْع: منعطف الوادي. (٣) بضم الميم: الخمر التي تصرع صاحبها، ويقال بالصاد أيضًا. ينظر "القاموس". (٤) جمع مِسْحاة، وهي الأداة التي تُقْشر بها الأرض وتُجرف. (٥) الخبر في "الأغاني" ١٥/ ١٠٦ - ١٠٨، و "تاريخ دمشق" ٩/ ٩١٣ - ٩١٤ (مصورة دار البشير) ما عدا البيتين اللذين مدح الأخطل بهما معاوية. وهما في "العقد الفريد" ١/ ٣٩. وينظر "ديوان الأخطل" ص ٣١٤. ولم يرد هذا الخبر في (م).