وحكى ابن سعد (١) وقال: كان ثلاثةٌ من الأنصار يُهاجون عن رسول الله ﷺ: حسَّان بن ثابت، وعبد الله بن رَواحة، وكعبُ بن مالك. فأما حسَّان فكان يذكُرُ عيوبَهم وأَيَّامَهم، وأمَّا ابنُ رَواحة فكان يُعيِّرُهُم بالكُفْرِ وتردُّدِهم فيه، وأمَّا كعبُ فكان يذكر الحربَ فيقول: قتلنا، ويتهدَّدُهُم.
وحكى ابن سعد أيضًا بإسناده عن عوف، عن محمد قال (٢): هجا رسولَ الله ﷺ وأصحابَه ثلاثةٌ من كفَّار قريش: أبو سفيان بن الحارث، وعمرو بن العاص، وابن الزِّبَعْرى. فقال قائل لعليّ بن أبي طالب: اهجُ عنَّا القَوْمَ الذين هجونا، فقال علي: إن أَذِنَ لي رسول الله ﷺ فَعَلْتُ. فقال الرجل: يا رسول الله، ائذن لعليّ في هَجْوهم. فقال:"ليس عنده ذلك"، وفي رواية: فقال رسول الله ﷺ: "ليس عليٌّ هناك". ثم قال للأنصار:"ما يمنع القَوْمَ الذين نصروا رسولَ الله ﷺ بسلاحِهم وأنفسِهم أن ينصروه بألسنتِهم"؟ فقال حسان بن ثابت: أنا لها يا رسول الله، وأخذ بطرف لسانِه وقال: واللهِ ما يَسُرُّني به مِقْوَلٌ (٣) بين بُصْرى وصنعاء، فقال رسولُ الله ﷺ:"كيف تهجوهم وأنا منهم؟ ". قال: أَسُلُّكَ كما تُسَلُّ الشعرةُ من العجين.
قال: فكان يهجوهم ثلاثةٌ من الأنصار: حسَّان، وكعبٌ، وابنُ رَواحة.
وروى هشام عن أبيه: فأخرج حسان لِسانَه، فضرب به رَوْثَةَ أَنْفِهِ، كأنه لسانُ شجاعٍ (٤)، في طرفهِ شامة سوداءُ، ثم ضرب به ذَقْنَه فقال له رسولُ الله ﷺ:"اذهب إلى أبي بكر (٥)، فإنَّه أعلمُ قُريش بأنسابِها، فيُخَلِّص لك نَسبي"(٦).
ثم قال حسان يُعرِّضُ بأبي سفيان بن الحارث فقال:
(١) في "الطبقات" ٤/ ٣٢٤. (٢) المصدر السابق. عوف: هو الأعرابي، ومحمد: هو ابن سيرين. وينظر حديث عائشة عند مسلم (٢٤٩٠). (٣) أي: لسان، ووقع في (خ): مقولًا، والمثبت من "الطبقات" ٤/ ١٦. (٤) في "القاموس": الشُّجاع: الحيَّة، أو الذكر منها. (٥) بعدها في (خ) (والكلام منها): الصّدّيق ﵁. وهو سهو من الناسخ. (٦) الحديث بنحوه في "الأنساب" ١/ ٢٢، و"تاريخ دمشق " وأخرجه مسلم بنحوه (٢٤٩٠) من حديث عائشة مطولًا.