وقال ابن سعد بإسناده عن خليفة بن الحُصين، عن (١) قيس بن عاصم، أنه أسلم، فأمره النبيُّ ﷺ أن يغتسل بماءٍ وسِدْر.
قلت: وبهذا الحديث يحتجُّ أحمد بن حنبل على وجوب الغُسل على الكافر. وعندنا في الفقهاء لا يجب، والأمرُ للاستحباب. وعامَّة الصحابة أسلموا ولم يغتسلوا.
وقال الشعبيُّ وابنُ سعد (٢): كان قيسٌ قد حرَّم على نَفْسِه الخَمْرَ في الجاهلية، وسببُه أنَّه سَكِر ليلةً، فعبث بذي مَحْرَم له، فهربَتْ منه، فلما أفاق أخبره أهلُه بما صنع، وحرَّم الخمرَ على نَفْسِه وقال:
رأَيتُ الخمرَ مُصلحةً وفيها … مقابحُ تفضحُ الرجلَ الكريما
فلا واللهِ أَشربُها حياتي … ولا أَشفي بها أبدًا سقيما
وقال الواقدي: نزل قيس البصرة ومات بها سنة سبع وأربعين.
وقال ابنُ سعد (٣): وهو الذي قيل فيه:
فما كان قيسٌ هُلْكُهُ هُلْكَ واحدٍ … ولكنَّهُ بُنيانُ قومٍ تَهَدَّما
ذكر ابن سعد هذا البيتَ لا غير، وهو بعضُ أبياتٍ أوَّلُها:
عليك سلامُ الله قيسَ بنَ عاصمٍ … ورحمتُه ما شاءَ أن يترحَّما
تحيَّةَ من أولَيتَه منك نعمةً … إذا ذُكِرتْ أَمثالُها تملأُ الفَما
وما كان قيسٌ هُلْكُهُ هُلْكَ واحدٍ … ولكنَّه بنيانُ قومٍ تهدَّما
تحيَّةَ من أَلبَسْتَه منك نعمةً … إذا زارَ عن شَحْطٍ بلادَك سلَّما
قلت: والأبياتُ في الحماسة، وهي لعَبْد بنِ الطبيب (٤).
(١) في (خ) (والكلام منها): بن. والمثبت من "طبقات" ابن سعد ٩/ ٣٥ - ٣٦. وهو في "المسند" (٢٠٦١١).
(٢) طبقات ابن سعد ٦/ ١٦١.
(٣) المصدر السابق.
(٤) الأبيات الثلاثة الأولى في "المنتظم" ٥/ ٢٢٢، وجاء في "الحماسة" شرح المرزوقي ٢/ ٧٩٠ - ٧٩١، ثلاثة أبيات، جاء الأول والثالث منهما باللفظ الذي ذكره المصنف، وأما صدر الثاني فهو: تحيةَ من غادرتَه غرض الردى.
وجاء أيضًا في "عيون الأخبار" ١/ ٢٨٧ ثلاثة أبيات، وقد ورد الشطر الثاني للبيت الثاني في شعر عمرو بن العاص في مخاطبته لعمارة بن الوليد لما خرجا إلى النجاشي، وسلف ص ٣٥ في السنة الثانية والأربعين في ترجمة عمرو. وينظر أيضًا "الوافي بالوفيات" ٢٤/ ٢٨٦ - ٢٨٧.