اليوم الرابع: وخرج فيه محمد بن الحنفيّة، وخرج إليه عبيد الله بن عمر بن الخطاب في جمعين كبيرين عظيمين، فاقتتلوا أشدّ قتال، فأرسل عبيد الله إلى محمد بن الحنفيّة: أن اخرُج إليّ، فقال: نعم، وخرج يمشي، فبَصُر به أمير المؤمنين فقال: من هذان المتبارزان؟ فقيل ابن الحنفية وابن عمر، فركض دابتَه وصاح: يا محمد قف، ثم حمل على عبيد الله وقال: يا فاسق، أنا لك، فولّى مُنهزمًا يقول: ليس لي حاجةٌ في مبارزتك، فقال له محمد: يا أمير المؤمنين، تبرُزُ إلى هذا الفاسق، والله لو دعاك أبوه لرغبتُ بك عنه (١)، فقال له: يا بنيّ، لا تقل في أبيه إلّا خيرًا.
اليوم الخامس: خرج عبد الله بن عباس، وخرج إليه الوليد بن عُقبة بن أبي مُعَيط، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وأخذ الوليد يَسُبُّ بني هاشم ويقول: قطعتم أرحامَكم، وقتلتم إمامَكم، ولم تُعطَوا ما طَلبتُم، ولم تُدركوا ما أمَّلتُم، فحمل عليه ابن عباس فانهزم.
كذا ذكر الطبري (٢) أن الوليد بن عُقبة برز إلى ابن عباس! قالوا: لم يشهد الوليد صِفّين، والذي برز إلى ابن عباس أبو الأعور.
اليوم السادس: خرج قيس بن سعد الأنصاري، وخرج إليه ابنُ ذي الكَلاع الحميريّ، فاقتتلا على السواء.
اليوم السابع: خرج الأشتر، وخرج إليه حَبيب بن مَسلمة.
فلما كان اليوم الثامن أرزموا (٣) القتال إلى آخر يوم، وهو الَّذي فيه ليلة الهَرير، خطب أمير المؤمنين الناس وقال: إلى متى ما نُناهضهم بأجمعنا (٤)؟! وكان وقت السَّحَر، فأصبحوا يوم الخميس وهم على مَصافّهم، وقيل: إن هذا اليوم كان أعظم الأيام، فقال كعب بن جُعَيل التَّغلِبيّ في ليلته:[من الرجز]
أصبحت الأمةُ في أمرٍ عَجَبْ
(١) في (خ): به عنك، والمثبت موافق لما في الطبري ٥/ ١٣، ووقعة صفين ٢٢١. (٢) في تاريخه ٥/ ١٣، وكذا ذكر نصر بن مزاحم في وقعة صفين ٢٢٢، والبلاذري في أنساب الأشراف ٢/ ٢١٢، والمسعودي في مروج الذهب ٤/ ٣٥٣. (٣) في (خ): أرموا، ومعنى أرزموا: تابعوا وأداموا. (٤) في الطبري ٥/ ١٣، ووقعة صفين ٢٢٥: حتَّى متى لا نناهض القوم بأجمعنا؟