قد عَذَّب بعذاب اللَّه، فقال أبو بكر رضوان اللَّه عليه: لا أَشِيْمُ سيفًا سَلَّه اللَّه (١).
وقال جدي في "المنتظم" بإسناده إلى سيف بن عمر، عن مُبشِّر، عن سالم قال: حجَّ عمر، واشتكى خالد بعده وهو خارج المدينةِ زائِرًا لأُمِّه، فقال لها: احدُروا بي إلى مُهاجَرَتي، فقَدِمَتْ به المدينةَ ومرَّضَتْه، فلما ثَقُلَ وأظَلَّ عمر، لَقِيه لاقٍ على مسيرةِ ثلاثةِ أيَّامٍ وقد صَدَر عمر عن الحج، فقال له عمر: مَهْيَمْ؟ فقال: خالدُ بنُ الوليد لما لهِ، فطوى ثلاثًا في ليلةٍ، فأدرَكَه حين قضى، فرقَّ عليه واسترجع، وجلس ببابه حتى جُهِّزَ، وبكته البَواكي، فقيل لعمر: ألا تَنْهَاهُنَّ؟ فقال: وما على نساء بني المُغيرة أن يَبكينَ أبا سليمان، ما لم يكن نَقْعٌ ولا لَقْلَقةٌ، فلما خرج بجنازته رأى عمرُ امرأةً مخزوميةً تبكيه وتقول (٢): [من الخفيف]
أنتَ خيرٌ من ألفِ ألفٍ من النا … سِ إذا ما كُبَّت وُجوهُ الرجالِ
أشُجاعٌ فأَنْتَ أشْجَع من لَيْـ .... ــثِ عَرِيْنٍ جَهْمٍ أبي الأشبالِ
أجَوادٌ فأنتَ أجْوَدُ من سيـ … ــلِ سحابٍ يسيلُ بين الجِبالِ
فقال عمر: مَن هذه؟ فقيل له: أُمُّ خالد، فقال: وهل قامتِ النساءُ عن مِثلِ خالد، والنَّقْعُ: الشَّقُّ، واللّقْلَقة: الصوت، قال جدِّي: وهذا الحديثُ يدلُّ على أنَّه مات بالمدينة.
وحكى ابن سعدٍ، عن الواقدي، عن ابن عكرمة قال: عَجبًا لقولِ الناس: إنَّ عمر كان يَنهى عن النَّوحِ! لقد بكى على خالدٍ بالمدينةِ، وبكى معه نساءُ بني المغيرة سبعًا (٣).
وقال الموفَّقُ في الأنساب عن محمد بن سلام قال: لم يَبْقَ امرأةٌ من نساءِ بني المُغيرةِ إلّا وضعت لِمَّتَها على قبرِ خالد، أي: حلقتْ رأسَها (٤)، وشَقَقْنَ الجيوبَ،
(١) من قوله: واعتزل خالد بثغر حمص. . . إلى هنا ليس في (ك). (٢) في (أ) و (خ): فلما خرج خرجت بجنازته امرأة وهي تتبرم وتقول، وفي المنتظم ٤/ ٣١٥، وتاريخ دمشق ٥/ ٥٦٢، والبداية والنهاية ١٠/ ١٣٨ (هجر): رأى عمر امرأة محتزمة تبكيه وتقول، وقال الذهبي في السير ١/ ٣٨١: إسناده ساقط. (٣) طبقات ابن سعد ٥/ ٤٤، ومن قوله: النقع الشق. . . إلى هنا ليس في (أ) و (خ). (٤) التبيين ٣٤٧.