ثم هجم عليه أبوه يومًا وهو يقول: [من الطويل]
أَعاتِكُ لا أنساكِ ما ذرَّ شارِقٌ … وما ناح قُمْرِيُّ الحمام المُطَوَّقُ
ولم أر مثلي طلَّق اليومَ مثلَها … ولا مثلَها في غير جُرْمٍ يُطَلَّقُ
لها خُلُقٌ جَزْلٌ وحِلْمٌ ومَنْصِبٌ … وخَلْقٌ سَوِيٌّ في الحياة ومَصْدَقُ (١)
فرقَّ له أبوه وأمره برجعتها فقال: [من الطويل]
أَعاتِكُ قد طُلَّقْتِ من غير رِيبةٍ … ورُوجِعتِ للأمر الذي هو كائنُ
كذلك أمرُ الله غادٍ ورائحٌ … على الناس فيه إِلفةٌ وتَبايُنُ
وما زال قلبي للتَّفرُّقِ طائرًا … وقلبي لما قد قَرّب الله ساكنُ
ليَهْنِكِ أني لا أرى فيك سَخْطَةً … وأنك قد تمّتْ عليك المحاسنُ
وأنك ممّن زيَّن الله وجهَه … وليس لوَجْهٍ زيَّن اللهُ شائنُ (٢)
قال: ولما مات رَثَتْه وبكت عليه وقالت: [من الطويل]
رُزِئتُ بخيرِ الناس بعد نبيّهم … وبعد أبي بكرٍ وما كان قَصَّرا
فآلَيْتُ لا تنفكُّ عيني حزينةً … عليك ولا ينفكُّ جلديَ أَغبرا
فلله عينا مَن رأى قطُّ مثلَه … أكرَّ وأَحمى في الهِياج وأَصبرا
إذا أُشرِعت فيه الأَسِنّةُ خاضَها … إلى الموت حتى يَتركَ النّقع أحمرا (٣)
قلتُ: وقد ذكر أبو تمام في "الحماسة" ثلاثة أبياتٍ، منها هذه، أولها:
آليتُ لا تنفكُّ عيني حزينةً .... إلى آخرها (٤).
ثم خطبها عمر بن الخطاب فتزوّجته، فعمل وَليمةً، فحضرها عليٌّ ﵇، وقال لعمر: ائذن لعاتكة أن تُكلِّمني. فأذِن لها، فمال إليها عليٌّ وقال: يا عُدَيَّةُ نفسِها: فآليت لا تنفكُّ عيني حزينةً
(١) الأبيات في أنساب الأشراف ٥/ ١٧٦، والمردفات من قريش ١/ ٦١ - ٦٢، والأغاني ١٨/ ٥٩، والاستيعاب والتبيين.
(٢) الأبيات في التبيين ٤٢٨، والمردفات ١/ ٦٢، والأغاني ١٨/ ٦٠.
(٣) الأبيات في التبيين والمردفات والأغاني والاستيعاب وفيها: حتى يترك الرمح أحمرا.
(٤) شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ٣/ ١١٠٢.