وصلبه على ماء يقال له: عِفْرى من أرض فلسطين، فلما رفع على خشبته قال:[من الطويل]
أَلا هل أتَى سَلمى بأنَّ حَليلَها … على ماءِ عفرى فوقَ إحدى الرَّواحلِ
على ناقةٍ لم يضربِ الفَحلُ أمَّها … مشَذَّبة أطرافُها بالمناجل (١)
وفيها: كانت حجة الوداع، وتسمى: حجة التمام، والكمال، والبلاغ، وحجة الإسلام [وحجة الوداع أشهر، وقد أخرج البخاري عن ابن عمر قال: وقف رسول الله ﷺ يوم النحر عند الجمرات، وجعل يقول:"اللهمَّ اشهد" وودع الناس، وما كنا ندري ما حجة الوداع إلى ذلك اليوم (٢).
وقال ابن عباس: كرهوا أن يقولوا حجة الوداع، فقالوا: حجة الإسلام].
قال الإمام أحمد رحمة الله عليه: حدَّثنا يحيى بن آدم وأبو النَّضر، قالا: حدَّثنا زهير، حدَّثنا أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال: خَرجنا مع رسول الله ﷺ مُهلِّين بالحج، معنا النساء والولدان، فلما قدمنا طفنا بالبيت وبالصفا والمروة، فقال لنا رسول الله ﷺ:"مَن لم يكُن معَه هَديٌ فَلْيَحلِل" قلنا: أيُّ الحل؟ قال:"الحلُّ كلُّه" قال: فأتينا النساء، ولبسنا الثياب، ومسسنا الطيب، فلما كان يوم التروية أهللنا بالحج، وكفانا الطواف الأول بين الصفا والمروة، وأمرنا رسول الله ﷺ أن نشترك في الإبل والبقر كلُّ سبعة منا في بدنة، فجاء سراقة بن جُعشم فقال: يا رسول الله، بيِّن لنا ديننا كأنَّا خلقنا الآن، أرأيت عمرتنا هذه أَلِعامنا هذا أو للأبد؟ فقال:"لا، بَل للأَبدِ" قال: يا رسول الله، فيم العمل اليوم؟ أفيما جفت فيه الأقلام، وجرت به المقادير [أو فيما نستقبلُ؟ قال: لا، بَل فيما جفَّت به الأَقلامُ، وجرت به المَقاديرُ"] قال: ففيم العمل؟ قال أبو النضر: فسمعت من سمع من أبي الزبير يقول: "اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّر لما خُلِقَ له" (٣).
وعن جابر قال: لم يكن معنا هدي يومئذ إلا مع رسول الله ﷺ وطلحة، وإن رسول الله ﷺ أَمَر أصحابَه أن يجعلوها عمرة، يطَّوَّفوا، ثم يقصِّروا، ويُحِلُّوا إلا مَن
(١) انظر "السيرة" ٢/ ٥٩١، و"الطبقات" ١/ ٢٤٣، و"تاريخ دمشق" ٤٨/ ٢٧١. (٢) أخرجه البخاري (١٧٤٢) و (٤٤٠٢). (٣) أخرجه أحمد في "مسنده" (١٤١١٦)، وما بين معقوفين زيادة منه.