فقالت له عائشة: لكنك لستَ كذلك، فقلتُ لها: أَتأذنين لهذا أَن يدخُلَ عليك وقد قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١١] فقالت: وأيُّ عذابٍ أَشدُّ من العمى، أليس قد ذهب بصره وكَسَعَ (١).
وهذا البيت من أبياتٍ يعتذر بها حسان إلى عائشة هو أولها، وبعده (٢): [من الطويل]
عقيلةُ حيٍّ من لؤيِّ بن غالبٍ … كرامِ المساعي مجدُهم غيرُ زائلِ
مهذَّبةٌ قد طيَّب الله ذكرها … وطهَّرها من كل شرٍّ وباطلِ (٤)
فإن كان ما قد قيل عَنِّيَ قلتُه … فلا رفَعَت سوطي إليَّ أناملي
وإن الذي قد قيل ليس بلائطٍ … بكِ الدهرَ، بل قولُ امرئٍ بيَ ماحِلِ (٥)
وكيف ووُدّي ما حَيِيتُ ونُصرتي … لآل رسولِ الله زَيْنِ المحافلِ
له رُتَبٌ يعلو على الناسِ فضلُها … تُقَصِّرُ عنها سَوْرَةُ المتطاولِ (٦)
فقالت عائشة رضوان الله عليها لمسروقٍ: إِنه كان يُنافح عن رسول الله ﷺ. وقالت: ما سمعت أحسن من قول حسان، وما تمثَّل به إلا رجوت له الجنة، فإنه هو القائل لأبي سفيان (٧): [من الوافر]
هَجوتَ محمدًا فأَجبتُ عنه … وعندَ اللهِ في ذاكَ الجزاءُ
(١) أخرجه البخاري (٤١٤٦)، ومسلم (٢٤٨٨) وفيه: وأي عذاب أشد من العمى؟ قالت له: إنه كان ينافح أو يهاجي عن رسول الله ﷺ. وتزن: تتهم، وغرثي: أي خميصة البطن، كناية عن عدم استغابة الناس وأكل لحومهم. (٢) الأبيات في "السيرة" ٢/ ٣٠٦. (٣) لم نقف على هذا البيت في ديوان حسان، ولا في غيره من المصادر. (٤) في الديوان: "خيمها" بدل ذكرها، والخيم: الطبع والأصل. (٥) اللائط: اللصيق، والماحل: الواشي النمام. (٦) السورة: الوثبة. (٧) الأبيات في ديوانه ص ٦٤ والخبر أخرجه ابن أبي الدنيا في "الأشراف على منازل الأشراف" (٥٨)، وأبو يعلى في "مسنده" (٤٦٤٠).