ومرَّ رسول الله ﷺ في طريقه بمَعْبَدٍ الخزاعي، وكانت خزاعة مسلمُهم وكافِرُهُم عَيْبَة (١) رسول الله ﷺ بتهامة لا يخفون عنه شيئًا، ومَعْبَد يومئذ مشرك، فقال له: يا محمد، لقد عزَّ علينا ما أصابك، ولوَدِدْنا أن الله كفاك فيهم فما تأمرنا؟ قال:"تُخَذِّل عنَّا"(٢). فسار حتى لحق بأبي سفيان فوجده على عَزْم الرجوع إلى حمراء الأسد، فقال له: ما وراءك يا مَعْبَدُ؟ قال: محمد قد خرج في جمع عظيم ما رأيت مثله، وقد اجتمع إليه من كان تخلف عنه بالأمس، وندموا على صنيعهم، وفيهم من الحَنَقِ شيء لم أر مثله قط. فقال: ويحك ما تقول؟ فقال: ما أظنك ترتحل حتى ترى الخيل أو نواصيها، ولقد حملني ما رأيت على أن قلت:[من البسيط]
من جَيشِ أحمدَ لا شيءٌ يماثِله … وليسَ يُوصَفُ ما أَبديتُ بالقِيلِ
وقلتُ: وَيحَ ابن حربٍ من لقائِكم … إذا أَتيتُم بجيشٍ غيرِ مَخذُولِ
فانثنى عزم أبي سفيان وعاد إلى مكة (٣).
وخرج رسول الله ﷺ إلى حمراءِ الأَسَد يوم الأحد سادس عشر شوال، وغاب عن المدينة خمسَ ليال، ولقي أبا عزَّة الشاعر فقتله على ما ذكرنا. وأنزل الله تعالى: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ﴾ [آل عمران: ١٧٢] الآية.
وفي "الصحيحين": عن عائشة ﵂ أنها قالت لعروة بن الزبير: يا ابن أختي، كان والله أبوك وأبو بكر الصديق من ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ الآية (٤).
ولقي أبو سفيان ركبًا من بني القيس، فقال: أين تريدون؟ قالوا: المدينة نَمتار منها. فقال: هل أنتم مُبلِّغون محمدًا رسالة، وأُحَمِّلُ لكم إبلَكُم زبيبًا بعكاظ غدًا إذا
(١) العيبة: موضع السر. (٢) هذا الحديث لم يرد في أي من المصادر في هذه الغزوة، وإنما قالها النبي ﷺ لنعيم بن مسعود في غزوة الخندق كما في "السيرة" ٣/ ١٣٧. (٣) انظر "السيرة" ٣/ ٤٤ - ٤٥، و"تاريخ الطبري" ٢/ ٥٣٥ - ٥٣٦. (٤) البخاري (٤٠٧٧)، ومسلم (٢٤١٨).