فبنى بها فيه، فجاءهما رسول الله ﷺ وقال:"إني أريد أن أحولكما إلي". فقال: كلِّم حارثة بن النعمان؟ فقال رسول الله ﷺ:"قد حوَّلَ حارثةُ حتى لقد استحييت منه". فبلغ حارثة، فتحوَّل من منزله وجاء إلى رسول الله ﷺ، فقال: يا رسول الله، قد بلغني أنك تريد أن تحوِّل فاطمة إليك، وهذه منازلي لله ولوسوله، فحولها إلى منزل حارثة (١).
وقال عطاء بن السائب عن أبيه، عن علي ﵁: أن رسول الله ﷺ لما زوجه فاطمة، بعث معها خميلة ووسادة من أدم حَشْوُها ليف، ورحاتَين وسِقاء وجرَّتين. فقال علي لفاطمة ذات يوم: والله لقد سَنَوْت (٢) حتى لقد اشتكيت صدري، وقد جاء اللهُ أباك بِسَبْيٍ فاذهبي فاستخدميه. فقالت: والله أنا طحنت حتى مَجَلَتْ (٣) يداي. فأتت رسول الله ﷺ، فقال:"ما جَاءَ بكِ يا بُنيَّة؟ " فقالت: جئت لأُسلِّمَ عليك. واستحيتْ أن تسأله ورجعت، فقال: ما فعلتِ؟ فقالت: استحييت. فأتياه جميعًا فسألاه، فقال:"واللهِ لا أُعطِيكُما وأَدَعُ أهلَ الصفَّةِ تُطوَى بُطونُهم لا أجدُ ما أُنفِقُ عَلِيهم، ولكِن أَبيعُهم وأُنفِق عليهم أَثمَانَهُم". ثم أتاهما في منزلهما، فقال:"أَلا أُعلِّمكُما وأُخبِركُما بخيرٍ ممَّا سأَلتُماني"؟ قالا: بلى. قال:"كلماتٌ علَّمني إياهنَّ جبريل ﵇، تسبِّحانِ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ عشرًا، وتَحمدانِ عَشْرًا، وتُكبِّران عَشْرًا، وإذا أَوَيتُما إلى فِراشِكُما، فسَبِّحا ثلاثًا وثلاثين، واحمَدَا ثلاثًا وثلاثينَ، وكَبِّرا أربعًا وثلاثينَ". قال علي: فوالله ما تركتهنَّ منذ علمني إياهن رسول الله ﷺ. فقال له ابن الكواء: ولا ليلة صفين؟ فقال: قاتلكم الله يا أهل العراق، ولا ليلة صفين (٤).
* * *
فصل وفيها توفي
(١) أخرجه ابن سعد في "الطبقات" ١٠/ ٢٣. (٢) سنوت: سقيت. (٣) مجلت: نفطت من العمل. (٤) أخرجه ابن سعد في "الطبقات" ١٠/ ٢٥ - ٢٦، وأحمد في "مسنده" (٨٣٨)، وهو عند البخاري (٣١١٣)، ومسلم (٢٧٢٧) مختصرًا.