فوصفته. فقال: هو والله صاحب قريش الذي ذُكِرَ لنا من أمره ما ذكِر، ولو كنت وافيته لالتمست أن أَصْحَبَهُ، ولأَفْعَلَنَّ إن وجدت إلى ذلك سبيلًا، قال: وأصبح صوتٌ عاليًا بمكة بين السماء والأرض يقول ولا يرون شخصه: [من الطويل]
جَزَى الله ربُّ النَّاس خَيرَ جزائه … رفيقين قالا خَيمَتَي أمّ مَعْبَدِ
هما نَزَلا بالبِرِّ وارتَحلا بهِ … فأَفلَحَ مَن أمسى رفيقَ مُحَمَّدِ
فيال قُصيٍّ ما زَوَى اللهُ عنكمُ … به من فَعال لا تجازى وسُوْدَدِ
سَلُوا أُختَكمْ عن شَاتِها وإنائها … فإنَّكم إن تَسْألوا الشَّاة تشهدِ
دعاها بشاة حائلٍ فتحلَّبَتْ … له بصريحٍ ضَرَّةُ الشاة مُزْبِدِ (١)
فغادره رهنًا لديها بحالب … تَدِرُّ بها في مَصْدَرٍ ثمَّ مَورِدِ (٢)
فأصبح الناس قد فقدوا نبيهم ﷺ، وأخذوا على خيمتي أم معبد حتى لحقوا بالنبي ﷺ، فأجابه حسان بن ثابت (٣): [من الطويل]
لقد خاب قوم زال عنهم نبيُّهم … وقدِّسَ من يسري إليه ويَغْتدي
ترحَّل عن قوم فزالت عقولهم … وحلَّ على قَوْمٍ بنُورٍ مُجَدَّدِ
وهل يستوي ضُلَّالُ قوم تسكَّعوا … عمًى وهُداةٌ يهتدون بمهتدِ
نبيٌّ يرى ما لا يرى النَّاسُ حوله … ويتلو كتاب الله في كل مَشْهدِ
وإن قال في يوم مقالةَ غائب … فتصديقها في ضحوة اليوم أو غدِ
ليَهْنِ أبا بكر سعادةُ جَدِّه … بصحبته من يُسْعدِ الله يَسْعَدِ
ويَهْنِ بني سَعد مكانُ فتاتهم … ومقعدُها للمسلمين بمَرْصَدِ
قالت أسماء بنت أبي بكر ﵂: مكثنا بمكة ثلاث ليال لا ندري أين توجَّه رسول الله ﷺ، حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنَّى بأبيات غناء العرب، نسمع صوته ولا نرى شخصه حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول:
(١) الصريح: اللبن الخالص. والضرة: أصل الضرع. ومزبد: علاه زبد.
(٢) مصدر ثم مورد: أي يحلبها مرة بعد أخرى.
(٣) الأبيات في ديوانه ص ٥٢، وأخرج القصة ابن سعد في "الطبقات" ١/ ١٩٦ - ١٩٨، وهي مروية أيضًا عن أم معبد وغيرها انظر "سبل الهدى والرشاد" ٣/ ٣٤٦.