السُّلْطان مُغْرًى بشعره، وكنت أرى ديوانه بين يدي السُّلْطان وهو يستحسنه، فمنه: [من البسيط]
يا مُدَّعي الصَّبْرَ عن أحبابه وله … دمعٌ إذا عَنَّ ذِكْراهُمْ يُكَذبُهُ
خَلَّفْتَ قَلْبَك في أرضِ الشّام وقد … أصبحتَ في مِصرَ يا مغرورُ تَطْلُبُهُ
هلّا غداةَ النَّوى استصحبته وإذا اخـ … ـتارَ المُقامَ فهلّا كنتَ تَصْحَبُهُ
أفردتَهُ بالأسى في دار غُرْبته … وعُدْتَ لا عُدْتَ تبكيه وتَنْدُبُهُ
هيهاتَ قد حالتِ الأيامُ بينكما … فَعَز نَفْسك عما فاتَ مَطْلَبُهُ (١)
وقال في قلع الضرْس: [من البسيط]
وصاحبٍ لا أملُّ الدَّهْرَ صُحْبَتَهُ … يشقى لنَفْعي ويسعى سَعْيَ مجتهدِ
لم أَلْقَه مُذْ تصاحبنا فمذْ نَظَرَتْ … عيني عليه افترقنا فُرْقَةَ الأَبَدِ (٢)
وقال: [من الكامل]
قالوا نَهَتْهُ الأربعونَ عن الصِّبا … وأخو المشيبِ يجورُ ثُمَّتَ يهتدي
كم حار في ليل الشَباب فَدَلَّه … صُبْحُ المشيبِ على الطَّريق الأرْشَدِ
وإذا عَدَدْتَ سنيَّ ثم نَقَضتَها … زَمَنَ الهموم فتلك ساعةُ مَوْلدي (٣)
وقال في محبوس: [من الكامل]
حَبَسُوكَ والطَّيرُ النَّواطقِ إنَّما … حُبِسَتْ لميزتها عن الأَنْدادِ
وتهيَّبوكَ وأنتَ مُوْدَعُ سِجْنهم … وكذا السُّيوفُ تُهابُ في الأغمادِ
ما الحبسُ دارُ مهانةٍ لذوي العُلا … لكنَّه كالغِيلِ للآسادِ (٤)
أخذه من قول القائل: [من السريع]
تَطْرقُ أهلَ الفَضْلِ دون الورى … مصائبُ الدُّنيا وآفاتُها
كالطَّيرِ لا يُحْبَسُ من جِنْسها … إلا الذي تُطْرِبُ أصواتُها
(١) "الخريدة": ١/ ٥١٨.
(٢) "الخريدة": ٢/ ٤٩٩ - ٥٠٠.
(٣) "الخريدة": ١/ ٥٠٠ - ٥٠١.
(٤) "الخريدة": ١/ ٥٠٥.